من المقرّر أن يبدأ الجمعة 25 يوليو 2025، تطبيق قرار السلطات السودانية بحجب خدمات المكالمات الصوتية والمرئية “فيديو” عبر تطبيق واتساب (WhatsApp)، لأجلٍ غير مسمّى … هذا القرار المُجحف الذي أعلنه جهاز تنظيم الاتصالات والبريد فى السودان يوم 20 يوليو، وبرّر قراره بأنّه “إجراء احترازي للمهددات الأمنية، وحفاظاً على الأمن والمصالح العليا للبلاد”، يُعتبر انتهاكاً صارخاً ومباشراً لحقوق الإنسان المكفولة دولياً.
صحفيون لحقوق الإنسان – جهر – السودان، تؤكّد رفضها لهذا القرار للأسباب التالية:
أولاً: انتهاك صريح للحقوق الأساسية
يشكل قرار السلطات السودانية بحجب خدمات الاتصال عبر المكالمات الصوتية والمرئية فى تطبيق (واتساب)، انتهاكاً صارخاً ومباشراً للحقوق الأساسية المكفولة بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، وعلى رأسها:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)، والذي صادق عليه السودان، ويضمن الحق في حرية التعبير وتلقي ونقل المعلومات.
الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 9 – الفقرة 1)، والتي تنص على حق كل فرد في الحصول على المعلومات.
اعلان المبادىء بشأن حرية التعبير والحصول على المعلومات فى افريقيا (10 نوفمبر 2019).
دستور السودان الانتقالي 2019، والذي ينص على حماية حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات.
إن تقييد الوصول إلى وسائل الاتصال الرقمية المزوّدة بخاصية “الصوت والصورة”، يُعد انتهاكاً خطيراً لهذه الحقوق، ويمس جوهر الحريات الأساسية للمواطنين، ويُشكّل خطوة متقدمة فى طريق فرض الإظلام الإعلامي الشامل.
ثانياً: الأمن لا يبرر الحظر الشامل
رغم أن القانون الدولي يتيح فرض قيود محددة على بعض الحقوق في حالات استثنائية، إلّا أن هذه القيود يجب أن تستوفي معايير صارمة، منها:
أن تكون ضرورية لمواجهة تهديد محدد، ومتناسبة مع مستوى ذلك التهديد.
أن تكون محددة من حيث الزمان والمكان، لا أن تُفرض بشكل شامل وغير مقيّد.
أن تستند إلى أسس قانونية واضحة وشفافة، وتخضع لرقابة قضائية مستقلة.
غير أن قرار الحظر الحالي لا يفي بأيٍّ من هذه المعايير، إذ لم تُقدّم مُبررات فنية أو قانونية علنية كافية، ولم تُحدد مدته الزمنية، أو نطاقه الجغرافي، ما يثير مخاوف جديّة، من استخدامه كأداة للرقابة والقمع، لا للحفاظ على الأمن.
ثالثاً: تداعيات إنسانية وتنموية خطيرة
في ظل النزاع المسلح المستمر في السودان وتداعياته، أصبحت وسائل الاتصال الرقمية شريان حياة للمجتمعات المحلية، والعاملين في المجال الإنساني، والأسر المتفرقة … ويُعد تعطيل أو تحجيم هذه الوسائل، في هذا التوقيت الحرج، تهديداً مباشراً لحياة المدنيين، بمن فيهم المرضى والنازحين، واللاجئين، كما يشكل عائقاً أمام تنسيق عمليات الطوارئ والاستجابة الإنسانية ، وانتهاكاً صارخاً للمبادئ الإنسانية الدولية التي تضمن حق الوصول إلى المساعدات والخدمات الأساسي.
رابعاً: أثر الحظر على اللاجئين السودانيين خارج البلاد
يعتمد السودانييون المقيمون في الخارج بمن فيهم ملايين اللاجئين، وكذلك النازحين داخل الوطن، على تطبيق “واتساب” كوسيلة اتصال رئيسية مع ذويهم في الداخل. وقد يتسبب الحظر المفروض في قطع شريان التواصل العائلي والإنساني بين الأسر المشتتة بسبب الحرب، وزيادة القلق والمعاناة النفسية لدى النازحين واللاجئين غير القادرين على الاطمئنان على أحبائهم أو متابعة أحوالهم، وتعطيلاً لجهود الدعم والتحويلات المالية والمساعدات التي تصل من الخارج إلى المحتاجين في الداخل من ذويهم فى الخارج.
خامساً: واتساب وسيلة للبحث عن المفقودين
في ظل الانهيار المؤسسي وانعدام الخدمات، بات تطبيق “واتساب” أداة حيوية يستخدمها المواطنون للبحث عن المفقودين، وتبادل صورهم ومعلوماتهم. وقد ساهمت هذه الجهود المجتمعية في لم شمل بعض الأسر التي فقد الاتصال بها أثناء عمليات النزوح أو القصف.
سادسا: دعوة عاجلة لرفع الحظر وضمان الحقوق
باسم العدالة والقانون حقوق الإنسان، نطالب نحن فى (جهر) السلطات السودانية بـ:
الرفع الفوري للحظر المفروض على خدمات الاتصال الصوتي والمرئي عبر الإنترنت.
ضمان إمكانية الطعن القانوني في مثل هذه القرارات، وتوفير آلية رقابة قضائية مستقلة.
دعوة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، والمنظمات الحقوقية الدولية للتدخل العاجل، والضغط على السلطات السودانية لاحترام التزاماتها الدولية، في مجال حقوق الإنسان.
ترى (صحفيون لحقوق الإنسان – جهر – السودان)، أن استمرار مثل هذه السياسات والقرارات المنافية لحقوق الإنسان، تُكرّس وتُرسّخ نمطاً خطيراً من التضييق الرقمي، وتُقوّض الجهود المبذولة لتحقيق العدالة، والسلام والاستقرار في السودان.
تدعو صحفيون لحقوق الإنسان – جهر – المجتمع الصحفي السوداني، والمجتمع المدني، وكل القوى الحيّة، لرفع الصوت عالياً ضد هذا الإجراء التعسُّفي، ومقاومته عبر كافة الطرق المشروعة، بما فى ذلك، تحدّيه تقنيّاً، عبر استخدام خاصية (VPN) “الشبكة الخاصة الافتراضية”، وهي التقنية التى تسمح بإنشاء اتصال ومرور آمن ومُشفّر بالإنترنيت، والتى تضمن إخفاء عنوان الـ(IP)، وهذا يساعد فى رفع درجة الحماية، ويُقلّل المخاطر، كما ننصح مستخدمي الواتساب فى السودان، باستخدام برنامج شامل لمكافحة الفيروسات لضمان أقصى درجات الأمان الممكنة، وندعو كافة أهل الاختصاص، للمساهمة فى نشر ثقافة السلامة والحماية الرقمية.
فلنرفع الصوت عالياً ضد قرار حجب المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق واتساب، لكونه قراراً تعسفياً، يُقيِّد ويقمع حرية التعبير والمعلومات، ويُضيف أعباءاً مالية مجحفة، فوق طاقة مستخدمي الإنترنيت فى السودان.
صحفيون لحقوق الإنسان – جهر – السودان
الجمعة – 25 يوليو 2025