في ظل التدهور الاقتصادي الحاد، ، باتت المدارس في السودان حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر. لم يعد التعليم “مجانيًا” كما كان يُقال، بل صار عبئًا ثقيلًا، لا تقوى عليه سوى العائلات الميسورة، في حين تُترك آلاف الأسر لتواجه الحقيقة المرّة:
> المدرسة لمن استطاع إليها سبيلاً.
رسوم باهظة… ولا تفسير
في بداية كل عام دراسي، تُفاجأ الأسر برسوم تسجيل وتسيير تتفاوت بين المدارس، لكن معظمها تجاوز قدرة المواطن العادي.
في بعض المدارس الحكومية، وصلت الرسوم إلى 80,000 – 150,000 جنيه سوداني للطالب الواحد، بخلاف المستلزمات الأخرى من زي مدرسي، كراسات، كتب، مساهمات غير رسمية، ورسوم امتحانات.
وتقول إحدى الأمهات في أم درمان:
“عندي ثلاثة أولاد… لو دايرة أدرسهم كلهم، لازم أشتغل سنتين. التعليم بقى تجارة، والمدرسة بقت زي المستشفى الخاص… للناس القادرين بس.”
تسرب وتعليم انتقائي
نتيجة لهذه الظروف، تزايدت حالات التسرّب المدرسي، خاصة وسط البنات والأطفال في الأحياء الطرفية، والنازحين، وأبناء الأسر محدودة الدخل.
أصبح بعض الأهالي يختارون تعليم طفل واحد فقط من بين أبنائهم، عادةً الولد الأكبر، ويُؤجل تعليم الآخرين إلى “حين ميسرة” قد لا تأتي أبدًا.
يقول أحد أولياء الأمور:
“أنا زول نازح وساكن بالإيجار… ممكن أوفر الأكل بصعوبة، لكن مصاريف المدرسة؟ دي بقت ترف.”
المدارس بين عجز الإدارة وجشع البعض
مع تراجع التمويل وانقطاع الميزانيات التشغيلية، اضطرت إدارات المدارس إلى فرض رسوم “تسيير” على التلاميذ، لتوفير الكراسي، الطبشور، المياه، وحتى مرتبات المعلمين أحيانًا.
لكن في المقابل، هناك شكاوى من أن بعض المدارس تُبالغ في الرسوم دون شفافية، وسط غياب رقابة فعلية من السلطات التعليمية.
جيل خارج المدرسة… ومستقبل غامض
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 40% من الأطفال في سن التمدرس حاليًا خارج الفصول الدراسية، بسبب العجز المالي، أو النزوح، أو تدمير المدارس في مناطق الحرب.
ويحذر تربويون من أن استمرار هذا الوضع يعني إنتاج جيل كامل غير متعلم، هشّ، سهل الانجرار نحو العنف أو الجريمة أو الاستغلال.
ونناشد تربويون تحدثوا ل(مشاوير ) بضرورة إطلاق مبادرات مجتمعية لدعم التعليم المجاني أو “التكافلي”. تخفيف الرسوم الحكومية أو تحديد سقف قانوني موحد لها. استهداف الأسر الفقيرة بمشاريع “الكفالة التعليمية”. تفعيل المنظمات التي يمكن أن تُموّل المدارس جزئيًا في فترة التعافي.
المدرسة اضحت حلما
إذا كانت المدرسة في السودان قد أصبحت حُلمًا، فمن واجب المجتمع أن يُقاتل من أجل هذا الحُلم. لأن الأوطان لا تُبنى إلا في قاعات الدرس، لا في طوابير