داخل أحد المتاجر الصغيرة الواقعة على أطراف سوق أم درمان القديم، تقف “رُبى” وهي تُحدّق في رفوف شبه فارغة كانت بالأمس القريب تعجّ بمساحيق التجميل والعطور والزيوت. اليوم، لا تجد سوى بقايا عبوات قديمة، وأسعار تضاعفت، وبدائل مجهولة المصدر.
تقول رُبى، وهي شابة في الثلاثينات من عمرها:
“ما بقدر أشتري الكريم البستعملو من سنين… يا مقطوع يا سعره بقى خرافي. حسيت السوق ما عاد يشبهنا.”
دمار الحرب وغياب البدائل…
شهد سوق أم درمان دمارًا هائلًا خلال الأشهر الأولى من الحرب، خاصة في قلب السوق الرئيسي وشارع العطور المعروف. المحال التجارية أُحرقت، والمخازن نُهبت، ما أدى لاختفاء شبه تام لمساحيق التجميل التي كانت تستورد من الخارج أو تأتي عبر الخرطوم.
يقول تاجر مستحضرات التجميل “محمد عبد الرحمن”، صاحب محل كان شهيرًا في السوق العربي:
“رجعنا نفتح بحذر، بس ما في بضاعة. الموردين اتوقفوا، والتخزين ما آمن بسبب الكهرباء والحر.”
الغلاء أزمه فوق أزمة..
حتى مع عودة بعض المنتجات للأسواق، ظهرت مشكلة جديدة: الأسعار. فالمستحضرات المتوفرة تُباع بأسعار مضاعفة، ويعجز كثير من الزبائن عن تحمل تكاليفها. بعض السيدات يلجأن لشراء بدائل محلية غير موثوقة، ما يُعرّضهن لمخاطر صحية.
تضيف “سارة”، وهي موظفة تسكن حي البوستة:
“اشتريت كريم جديد بس سبّب لي حساسية شديدة. ما عارفين شنو المضمون، بس مضطرين.”
بسبب انهيار مؤسسات الرقابة الصحية والتجارية، أصبح من السهل دخول منتجات غير مصدقة للأسواق، وسط غياب شبه كامل للفحص والمراجعة هذا الوضع زاد من تعقيد الأزمة، خاصة مع عودة بعض التجار للعمل دون بنية تحتية أو دعم رسمي.
كما اشتكى أصحاب المحال من غياب خطة لإعادة تأهيل الأسواق القديمة أو تقديم تعويضات للمحلات التي تضررت. بعضهم أكد أنهم تلقوا وعودًا فقط دون تنفيذ.
محاولات فرديه..
رغم كل ذلك، تظهر بين الحين والآخر مبادرات شبابية صغيرة لبيع منتجات تجميل طبيعية مصنوعة محليًا، خاصة من الزيوت والمكونات السودانية مثل الصندل والكركار واللالوب إلا أن هذه المبادرات ما زالت محدودة الانتشار، وتحتاج لدعم وترويج.
في الختام
لا تزال رحلة النساء في أم درمان مع مساحيق التجميل مليئة بالتحديات بعد الحرب، بين رفوف فارغة وأسواق تفتقد للأمان، وبين أسعار خيالية وخوف من المجهول..
