في كل يوم من أيام الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، والتي دخلت عامها الثالث، تتضاعف معاناة السودانيين الذين يدفعون الثمن الأكبر للقتال المستعر، إذ شكل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية عبئاً ثقيلاً على كاهل ملايين المواطنيين خصوصاً بعد انخفاض الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية، وكذلك رفع سعر الدولار الجمركي من قبل وزارة المالية.
وشهدت أسعار السلع والمواد الغذائية في مدن ومناطق البلاد كافة ارتفاعاً كبيراً ومفاجئاً، إضافة إلى زيادات جديدة في أسعار الوقود يتوقع أن تكون لها تداعيات إضافية على أسعار السلع.
تدهور وأزمات
وتعرض الجنيه السوداني لتدهور حاد بانخفاض قيمته لأدنى مستوى خلال تاريخه أمام العملات الأجنبية في السوق الموازية، إذ وصل سعر الدولار الأميركي إلى 3200 جنيه للشراء و3188 جنيهاً للبيع في السوق السوداء، وفق ما أفاد به متعاملون في السوق الموازية.
وعلى رغم انتشار أسواق عدة في المدن والمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، فإنها تعاني الشح المتنامي في السلع الغذائية والارتفاع الجنوني في أسعارها، إلى جانب شح السيولة النقدية وانحسار المتداول منها، مما ضاعف الضغوط المعيشية لسكان ولايات دارفور الخمس وأقاليم كردفان الثلاثة، فضلاً عن انخفاض أسعار المحاصيل وتراجع حركة البيع والشراء، إضافة إلى التأثير في قطاع النقل وعرقلة الأعمال التجارية.
عجز وفقر
عامر الشيخ الذي يقطن مدينة الأبيض غرب الخرطوم قال لمنصة (مشاوير) “لقد تقطعت سبل المواطنين في تأمين الحاجات اليومية من المواد الغذائية بسبب نفاد المدخرات المالية وارتفاع الأسعار، علاوة على توقف الأعمال اليومية وعدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عامين.
وأضاف “انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية ورفع سعر الدولار الجمركي أسهما في تصاعد أسعار السلع الضرورية إلى معدلات قياسية وليست في مقدور المواطنين الذين يعانون الأمرين في سبيل توفير وجبة يومية.
وأوضح “يعاني مئات الآلاف في الحصول على السلع الضرورية، ونتيجة للظروف الاقتصادية باتوا يعتمدون على وجبات بسيطة لا تتجاوز الطماطم والعدس والبصل، بينما وضعهم ينحدر نحو الأسوأ في كل يوم.
وأردف الشيخ “لا أعتقد أن الحكومة لديها حلول بديلة ناجعة بدليل أنه وفي كل مرة يتراجع فيها الجنيه السوداني وبعد إجراء التدابير واستقرار سعر الصرف تظل أسعار السلع الاستهلاكية من دون رقابة أو ردع قانوني.
أزمة سيولة
إلى ذلك أسهمت أزمة السيولة النقدية وشح المتداول منها في التأثير بأسواق المدن والمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، إذ يعاني السكان نظراً إلى عدم توافر النقد اللازم للبيع والشراء، إلى جانب الندرة والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية.
عبد الكريم الطيب، أحد الموجودين في مدينة الفولة بولاية غرب كردفان قال لمنصة (مشاوير) إن “أسواق الإقليم تشهد شحاً كبيراً في السيولة إلى جانب الندرة والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية، بسبب الحصار المفروض على الولاية من قبل قوات “الدعم السريع”، فضلاً عن عدم وصول المساعدات الإنسانية.
وأشار إلى أن “التصاعد المستمر في الأسعار يجعل الأوضاع المعيشية فوق طاقة الاحتمال، خصوصاً في ظل ظروف الحرب الحالية لأن غالبية المواطنين لا يملكون المال بسبب ظروف النزوح وتوقف الأعمال، كذلك فإن الموظفين في الدولة يعيشون على الكفاف.
وأردف، “في ظل تفاقم الأزمة وحاجة المواطنين الماسة إلى الأموال يضطرون إلى التوجه إلى الأسواق للحصول على سيولة نقدية عبر تحويلات التطبيقات البنكية لتحصل المفاجأة بتوظيف عمولات واقتطاعات على المواطن الذي يذعن للأمر للحصول على النقدي (الكاش).
وأوضح الطيب أنه، “اضطر إلى تحويل 100 ألف جنيه سوداني من تطبيقه البنكي لأحد التجار في سوق مدينة الفولة مقابل الحصول على 70 ألف نقداً بعمولة تعادل 30 في المئة من أجل شراء حاجات أسرته الضرورية.
مقايضة لحل الأزمة
وفي إقليم دارفور فاقمت أزمة السيولة النقدية من أزمة المجاعة خصوصاً بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من 300 في المئة.
عمر مهنا، أحد سكان مدينة الضعين قال لمنصة (مشاوير) إن “القيود المصرفية وتحفظات التجار على التعامل مع التحويلات الإلكترونية فاقم من شح النقد المتداول، علاوة على تحول الكتلة النقدية إلى أيدي التجار في المناطق الحدودية من دون عودتها مرة أخرى نتيجة توقف الصادرات، إلى جانب خفض قيمة الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية، وزاد الارتفاع الجنوني للأسعار الأمر سوءاً بتضاعف حجم السيولة المطلوب لعمليات الشراء، من ثم فإن خطر تمدد المجاعة بات وشيكاً.
وأشار إلى أن “المواطنين اضطروا لمبادلة سلع بحوزتهم بأخرى يحتاجون إليها، لا سيما المنتجات الزراعية الخام، لعدم توافر النقد اللازم للبيع والشراء وانعدام السيولة النقدية، مما ضاعف العبء على السكان وأصبح من الصعب عليهم الحصول على حاجاتهم الضرورية.
ولفت مهنا إلى أن “الأزمة أسهمت في توقف عدد من أسواق المواشي عن العمل، إضافة إلى الركود في عمليات بيع وشراء المحاصيل الزراعية.
تأثيرات على المواطن
وفي ذات السياق، أوضح المحلل الاقتصادي ضياء حامد في حديثه لمنصة (مشاوير) أن “انخفاض الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية الأخرى له أثر كبير للغاية في حياة الناس ومجمل الأوضاع الاقتصادية، وخصوصاً في ظل استمرار الحرب وتزايد معدلات الفقر والبطالة.
ونوه حامد إلى أن “الحرب أثرت بصورة مباشرة في المؤشرات الاقتصادية، وأدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم.
وأردف، “قرار رفع الدولار الجمركي جاء متزامناً مع تراجع واضح في سعر صرف العملة المحلية، إضافة إلى استغلال القطاع الخاص الوضع لرفع الأسعار مما ضاعف من تأثيرها في أسعار السلع والخدمات، وتحميل الزيادات للمستهلك بصورة كاملة مما أدى إلى تفاقم معاناة ملايين السودانيين.