منهاج حمدي
الأبيض، 2 أغسطس 2025، (منصة مشاوير)- يعيش محمد تركاوي البالغ من العمر 75 سنة، في أحد مراكز الإيواء بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان التي وصل إليها نازحا وهاربا من حدة المعارك التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع.
بجسد راجف وعظام واهية أنهكتها السنوات، يعيش تركاوي والآلف من المسنين السودانيين حياة شاقة ومتعبة ظلت تلازمهم منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. لا تختلف هذه الحياة بالمدن الآمنة ومناطق النزاع النشطة. يعيشون هذه الحياة، خصوصا الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وكذلك الرعاية الصحية، ولم تراع الجهات الحكومية والمنظمات أوضاعهم الخاصة وحقوقهم وكرامتهم.
ومنذ اندلاع الصراع المسلح، نزح مئات الكهول والطاعنين في السن من الخرطوم ومدن أخرى بحثا عن الأمان، فمنهم من هجر قسرا جراء تعرض مناطقهم للقصف، وآخرون يعيشون حياة الشتات جراء نزوح أسرهم بحثا عن النجاة بحياتهم، وكذلك تقيم مجموعات ثالثة في مراكز اللجوء في دول الجوار الأفريقي مثل تشاد وأوغندا وإثيوبيا، وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية.
إهمال ومعاناة
يواصل محمد تركاوي خوض غمار حياته المنقوصة في أحد مراكز الإيواء بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، ويسرد معاناته مع النزوح قائلا: “أتينا إلى هنا وتركنا منازلنا، وخلال عام ونصف العام تغلبنا على ظروف بالغة التعقيد، لكننا لن نقوى على الصمود في حال استمرار الحرب لفترة طويلة، لم تراع الدولة أو المنظمات الإنسانية الوطنية والدولية وضعنا الاستثنائي وضرورة تخصيص أماكن تتوافر فيها سبل الراحة، علاوة على الرعاية الصحية والغذاء النوعي”.
وأضاف: “تصاعد القتال لم يستثن أحدا واستهدف حتى كبار السن، مما اضطرهم للنزوح هربا من سعير الحرب إلى جحيم الحياة القاسية في معسكرات تفتقد أبسط المقومات، في ظل وجود نساء ورجال يعانون من من أمراض مزمنة وسوء تغذية ومشكلات نفسية”.
وأوضح تركاوي: “نحتاج إلى اهتمام متعاظم من الجهات كافة إلى جانب توفير المعينات الطبية والإنسانية، وتخصيص مراكز إيواء موحدة للمسنين بمواصفات تراعي وضعهم الخاص من أجل ضمان سلامتهم صحيا ونفسيا”.
أمراض ونقص في الرعاية
مريم جار النبي تعيش هي الأخرى مأساة لا تقل عن أوضاع المسنين الآخرين، إذ تقول: “بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب نزحت برفقة الأسرة إلى محلية كرري في مدينة أم درمان، وظللت أقيم في منزل إحدى الأسر التي تقيم في القاهرة، لكننا نعاني ظروف قاسية”.
وأضافت: “نحتاج، في المقام الأول، إلى احترام حقوقنا وكرامتنا وعدم التهميش، لأن وضع الحرب يختلف كليا عن حياة كثيرين في منازلهم ووسط أسرهم، والأمر المؤسف أن الدولة لا تهتم برعاية كبار السن ولا توفر لهم الحد الأدنى من الحاجات الأساسية، كما أن المنظمات الإنسانية تركز على تسجيل بياناتنا فقط”.
ووصفت جار النبي الحالة الصحية لعدد من المسنين بالسيئة، إذ “يعاني بعضهم من مرض السكري، وآخرون يشكون من أمراض القلب، وطيف ثالث فقد القدرة على الرؤية بسبب ضعف النظر، والغالبية لا يملكون أموالا لشراء الأدوية وتوفير كلف العلاج”.
وتابعت: “كثير من كبار السن فقدوا أرواحهم نتيجة لانقطاع الأدوية المنقذة للحياة، وعدم وجود مراكز صحية وتعطل مراكز غسل الكلى في مختلف أنحاء السودان”.
إهمال وأزمة رعاية
في السياق ذاته، رأت الباحثة الاجتماعية ميسون الشريف أن “هذه الفئة تعاني تهميشا وإهمالا كبيرين، وأغلبهم يعانون من سوء تغذية غالبا ما يؤدي إلى الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة، كما أن نسبة كبيرة منهم بحاجة لإجراء فحوصات طبية بشكل دوري وتقديم العلاجات المطلوبة”.
وأشارت إلى أن “المسنين في معسكرات الإيواء يشعرون بعدم الاهتمام بهم وإهمالهم، سواء من قبل الدولة والمنظمات وأحيانا من الأسر، مما يجعلهم عرضة لكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية والبدنية”.
وأردفت: “في الواقع يعد كبار السن الفئة الأضعف والأصعب من بين الجميع، إذ يعاني معظمهم المرض والشيخوخة ويحتاجون إلى رعاية فقدوها في ظل الحرب التي عاشوا أهوالها، وتسببت في زيادة عذاب أجسادهم التي تعاني الوهن أساسا”.
وناشدت الباحثة الاجتماعية الدولة والمنظمات الوطنية والدولية بضرورة تحسين أوضاع كبار السن من النازحين والعالقين في العاصمة بمدنها الثلاث، الخرطوم وأم درمان وبحري، وتوفير كافة الحاجات المتعلقة بوضعهم وظرفهم الخاص في الوقت الحالي، كما طالبت الأسر المقتدرة اقتصاديا في الولايات الآمنة، باستضافة كبار السن الذين يعانون من مشكلات صحية ونفسية.
عزلة اجتماعية
على صعيد متصل، أوضح المتخصص في الصحة النفسية إيهاب جمال أن “كبار السن يتأثرون بشكل كبير بعوامل المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية التي تستوجب توفير تهوئة جيدة، وهو وضع غير متاح في منازل الأسر بالعاصمة الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري، نظرا لأزمة الكهرباء المستمرة، وكذا الحال بالنسبة للمسنين الذين يعيشون في مراكز الإيواء، فضلا عن عدم توافر الرعاية الصحية الكافية لافتقار مدن ومناطق عدة، إلى جانب مراكز الإيواء للعيادات الدائمة لمتابعة الحالات الحرجة بخاصة في ظل انهيار القطاع الصحي بالبلاد.
ونوه جمال إلى أن “العزلة الاجتماعية في ظل ظروف الحرب، هي أقسى ما يواجهه كبار السن، إذ تتسبب في تدهور الحالة النفسية لدى المسنين خصوصا مع فقدان الأصدقاء والابتعاد عن الأدوار الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى شعور بالوحدة والحزن”.
وزاد بالقول: “تراجع كبار السن عن سلم أولويات المسؤولين عنهم، في ظل انهيار القطاع الصحي، كما أن الحرب تركت فيهم آثارا نفسية صعبة، ومع تزاحم الأولويات يعد مجرد التفكير لتوفير الصحة النفسية للمسنين ضربا من الرفاهية”.
وتابع: “نحن قلقون ونشعر بالحزن إزاء الظروف الصعبة التي يعيشها المسنون، لا سيما أن السودان يعاني حاليا من أزمات عدة منها القطوعات المستمرة للتيار الكهربائي وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى ما يحمله فصل الخريف من أمراض”.
وعن كيفية التخفيف من هذه الأوضاع، يشير المتخصص في الصحة النفسية إلى أن “عدم ترك كبار السن أفكارهم وملء أوقات فراغهم بأنشطة مختلفة تحفز المخ وتجعلهم ينشغلون عن التفكير في ما حدث أثناء رحلة النزوح أو أثناء الحرب، ومقابلة الطبيب النفسي في أسرع وقت ممكن في حال تدهور صحتهم النفسية”.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (منصة مشاوير) في إطار عكس تأثير الحرب السودانية على المدنيين، وكيف أن الصراع المسلح فاقم من معاناة شريحة المسنين في المجتمع السوداني.