أصابت معظم سكان العاصمة السودانية بمدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري حالة من القلق لم يسبق لها مثيل، وتفاجأوا بزيادة كبيرة في أسعار معظم السلع الإستراتيجية، وكذلك الأدوية والوقود، في وقت نفدت فيه مدخراتهم المالية، مما يجعل أوضاع معظم المواطنين المعيشية في غاية السوء والتردي.
ومنذ اندلاع الحرب توقفت الأعمال اليومية لغالبية السكان العالقين في العاصمة، فضلاً عن عدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عامين، ولم يكن حال القادمين من مناطق النزوح واللجوء إلى الخرطوم أفضل من العالقين، إذ يواجهون ظروفاً قاسية، الأمر الذي ضاعف المعاناة الإنسانية.
هاجس كبير
تقول المواطنة السودانية أميرة على أحمد لمنصة (مشاوير) إن “توفير الاحتياجات اليومية البسيطة التي تكفى لوجبتين واحدة باتت تمثل هاجس كبير للأسر في ولاية الخرطوم نظراً الظروف الصعبة التي يعاني منها الجميع.
وأضافت أن “غالبية الأسر أصبحت تتناول وجبتين فقط في اليوم، وعزت ذلك لضعف الامكانيات وشح الموارد لدى كثير من السكان بعد أن فقد معظم أرباب الأسر وظائفهم.
ونوهت أميرة بأن “أسعار السلع هذه الأيام باتت فوق طاقة كل الأسر، حيث ارتفعت كلفة المعيشية بصورة كبيرة، ولا يستطيع الغالبية توفيرها.
كلفة باهظة
من جهته أوضح المواطن السوداني عبد المنعم التاج أنه يعول (12) شخصاً من أسرته الصغيرة والممتدة، وكانت كلفة اعاشتهم في اليوم الواحد حوالي (20) ألف جنيه سوداني لتوفير الاحتياجات الأساسية دون الكماليات، لكن مع ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة أصبح يحتاج إلى مبلغ (50) ألف جنيه سوداني لتدبير شؤون أسرته.
وأشار إلى أنه ولولا المبالغ التي ترسل من أقاربه الذين يقيمون خارج السودان لما استطاع الوصول للاكتفاء الذاتي.
وتابع “المواطن أصبح يعيش معاناة شديدة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، كما أن عدم توافر فرص العمل أدى إلى تنامي الفقر وسط الأسر، وبات المواطن مكبلاً، والسلع امام عينيه ولا يمكنه الحصول عليها وتلبية احتياجات أسرته وأطفاله لأنه لا يستطيع الشراء.
ولفت التاج إلى أن “الفواكهة والألبان ومشتقاتها والحلويات للاطفال أصبحت رفاهية وكماليات يمكن للمواطن توفيرها، بسبب حوجته لتوظيف أمواله في شراء احتياجات الوجبة الأساسية.
وناشد المواطن السوداني الدولة بدعم سكان العاصمة والمساعدة في تخفيف أعباء المعيشة التي اثقلت كاهل المواطن البسيط قبل التفكير في إعادة الأعمار، مؤكداً أن التنمية والأعمار لا يمكن أن تستقيم بدون الإنسان السليم المعافي صحياً، والصحة تحتاج إلى الغذاء بدلا عن الدواء.
كساد في الأسواق
أدى تراجع قيمة الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية إلى ركود كبير في أسواق العاصمة السودانية بمدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري.
وشكا عدد من التجار من تراجع الجنيه وتصاعد الدولار، بخاصة بعد توقف الحركة في الأسواق، كما أن زيادة الضرائب أسهمت في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية، الأمر الذي جعل التجار لزيادة الأسعار لمعدلات كبيرة من أجل تغطية العجز.
يقول التاجر حسين الطيب لمنصة (مشاوير) “منذ أكثر من أسبوع تتكدس البضائع على الرفوف بسبب تراجع حركة الشراء في أم درمان وسط أزمة اقتصادية عميقة.
وأضاف “لم يعد لدى المواطن المال ليشتري، مما يجعلنا نعاني حالة كساد.
تداعيات الحرب
يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي الخير محجوب لمنصة (مشاوير) إن “الوضع في السودان مأزوم وموازنة الدولة في أزمة بسبب عدم وجود إيرادات، لذلك اتجهت السلطات إلى التركيز على جيب المواطن ومضايقته في المأكل والمشرب والسلع والخدمات من مياه وكهرباء ووقود بزيادة متواصلة في الرسوم الضريبية والجمركية، فأصبحت عقليتها جبائية بحتة لتغطية التزاماتها المحددة في دعم الحرب وتسيير الجهاز الحكومي، وبالتالي بات هناك إجهاد مالي كبير جداً ومبالغة في الضغط على المواطن.
وأضاف “ما تشهده البلاد من انفلات وتصاعد في الأسعار بخاصة السلع الإستراتيجية وتردّ اقتصادي في كل جوانب الحياة، سببه بالدرجة الحرب التي دخلت عامها الثالث دون أفق لحل يوقفها.
وتابع “مع استمرار الصراع المسلح لن ينصلح حال السودان بل ستزداد الأوضاع سوءاً عما هي عليه الآن، مما سينعكس على النواحي الأخرى الأمنية والاجتماعية وغيرها.
ضغوط اقتصادية
في ذات السياق، قال الباحث الاقتصادي خالد جبريل لمنصة (مشاوير) إنه “بالفعل حدث تراجع كبير جداً وغير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية قياساً إلى ما كان عليه الأمر قبل اندلاع الحرب، إذ كان الدولار في المتوسط بحدود 500 جنيه، في حين لامس حالياً الـ 3200 جنيه”.
وأضاف “في تقديري أن من الطبيعي أن يحدث تراجع في قيمة العملة الوطنية لأية دولة تعاني الحرب، لكن من غير الطبيعي أن تقف مكتوفة الأيدي ولا تتحرك لاتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة للحد من هذا التدهور، فليس من المطلوب أن تعمل الدولة على تحسين قيمة الجنيه أو تقويته، لكن عليها اتباع سياسات تعمل على إيقاف التدهور، وهذا في حد ذاته إنجاز ومكسب كبيران، ثم التفكير بعد إيقاف الحرب في كيفية تقوية العملة.
وأوضح جبريل أن التوقعات الاقتصادية في ظل استمرار الحرب تشير إلى مستقبل مظلم، مما ينبئ باستمرار ارتفاع أسعار الصرف لتصل إلى أرقام فلكية مما يزيد الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
وحذر الباحث الاقتصادي من مغبة تدهور الاقتصاد السوداني نتيجة لاستمرار الحرب للعام الثالث على التوالي، مما يسبب انخفاض قيمة العملات وارتفاع معدلات البطالة.
مشيراً إلى أن اقتصاد السودان يواجه خطر الانكماش والوصول إلى معدلات نمو سلبية بسبب تراجع الإنتاج وتدهور قيمة العملة المحلية، مما يفرض الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه الأزمة.