هناك أسئلة كثيرة تطرح حول استثنائية مصطفى سيد أحمد، والأسباب التي تجعلنا نبحثه كل عام بوصفه ضمن الملهمين للتجديد الغنائي.
ومهما تختلف رؤى البحث حول بعض مكونات إرثه، ولكن يتفق الجميع على أن اشتغاله الفني كان يمثل إضافة نوعية، وكمية، مميزة لتاريخ الأغنية. فإذا عدنا إلى الثلث الأخير من السبعينيات سنجد أن هذه الفترة شهدت تطلعا لمغنين مميزين أمثال خوجلي عثمان، وَعَبَد المنعم الخالدي، والأمين عبد الغفّار، وعثمان الأطرش، وآخرين.
ساير مصطفى الطريقة التي بها يحتل الفنانون الجدد موقعا في مشهد الغناء. تعاون مع شعراء، وملحنين، مرموقين، فيما اعتمد على اوركسترا ضمت أعضاء من مركز شباب السجانة، والخرطوم جنوب.
في هذه المرحلة صقل موهبته التي بدأت تتفتح منذ ايّام الطلب ببورتسودان الثانوية، وعبر شركة منصفون للإنتاج الفني وضع أولى عتباته لإظهار أعماله الأولى بعد إجازة صوته.
وبرغم أن اصطدامه الأول مع قوانين الساحة الفنية بدأ مع منصفون حين غنى للشاعر محمود حسين خضر عملاً دون موافقته عبر ألحان الفنان عبد التواب عبدالله، إلا أن ذلك الألبوم نشر اسمه على مستوى البلاد، ومن ثم نبه الناس لفنان جديد بنبرات طروبة، وقوية، ومميزة.
وبدلاً من التوصل إلى اتفاق ودي مع الفنان سوى أن الوقوف أمام القضاء كان وسيلة الطرفين المتوفرة لحسم الخلاف.
وأذكر أنني حين سألت الشاعر الراحل محمود عن سبب غضبته، ولجوئه للقضاء، قال إن الأغنية لو أداها الفنان صلاح مصطفى لما ذهب للقضاء.
وأذكر أيضاً أنه هاظرني ضاحكاً مرة بقوله إن معظم شعر مصطفى المغنى (مصاغ على منوال) أحلى مدني.. ولا أبعد الموز.
فِي هذه الفترة توثقت علاقة مصطفى كذلك بموسيقيين مميزين أمثال محمد سراج الدين، وسليمان عبد القادر، وفتحي المك، وبدر الدين عجاج، وناجي القدسي، ويوسف السماني، الذي لحن له (يا سلام عليك) للشاعر عبد الوهاب هلاوي، و(شال هم فرقتك) للشاعر عبد الرحمن مكاوي، والتي أخذها منه لاحقاً ملحنها، ومنحها لحمد الريح، برغم أن الأغنية انتشرت بصوته أولا.
هذه الأرضية التي استند عليها الفنان زادته معرفة بخفايا العملية الفنية، وتخلقاتها، وأبانت له حساسيات الوسط الفني، والغيرة التي تأكل صدور رهط من الفنانين بعضهم بعضاً.
والأكثر من ذلك استوعب مصطفى الكيفية التي يخضع بها الفنان لشروط الراسخين المؤثرين في الساحة الفنية.
فوقاً عن ذلك كانت لجنة النصوص الشعرية تقف بالمرصاد في إجازة أعمال لا تتماشى مع ذوق أعضائها، وبالتالي يعني هذا تحجيماً لرغبته في تثوير النص الغنائي، والذي لا يتعدى التناول العاطفي أو الوطني للمواضيع بالصيغة المتعارف عليها. ولعل بعضا من هذه الشروط الفنية ما تزال تسيطر على بعض المواقع الإعلامية رغم تحرر عملية الإنتاج الفني والموسيقي من سطوة تلك اللجان والجماعات.
فضلاً عن ذلك أدرك الفنان الذي تحدَّر من بيئة قروية كيفية نشوء علاقات المدينة الفنية التي تقتضي وجود قدر من الشلليات التي تتنافس في الحيّز على دائرة الضوء التي كانت ضيقة، ولذلك استنكف إمكانية أن يبقى إبداعه مرتبطاً بصراعات مستترة لا يدركها غير الذين اكتووا بنارها، إذ إن بعض التقليديين كانوا يمنعون تفتح ورود جديدة في الغناء، إلا بعد تبنيهم لها حتى يعود الفضل إليهم.
وفِي المعهد العالي إتضح له أكثر أن المعهد باعتبار أن جزءاً من وظيفته تربوية يتطلب من الدارسين خضوعاً لرغبات بعض الأستاذة الذين هم أنفسهم منافسون لهم.
تقاطع المصالح لدى بعض الأساتذة هذا شكل معضلة لاستمرارية الفنان في المؤسسة الأكاديمية، آخذين في الاعتبار حساسيته العالية، وظروفه المرضية.
وأياً كان الموقف فقد ترك المعهد بعد أن أحس أن ما أراده ناله من خلال دراسة الصوت من أستاذه الكوري.