لأكثر من “27” شهراً من الحرب الدائرة في السودان ظل المتطوعون في مدن ومناطق عدة بالبلاد يعملون بكل جهد لإنقاذ حياة الملايين في مناطق النزاع النشطة، وكذلك المدن الآمنة من خلال تقديم خدمات مطابخ تكايا الطعام وتوزيع المواد الغذائية والرعاية الصحية وتنظيم عمليات الإجلاء من مناطق القتال إلى المدن الآمنة.
وعلى الرغم من الظروف الأمنية المعقدة وتزايد معدلات الانتهاكات يخاطر المتطوعون بحياتهم يوما بعد آخر لتقديم المساعدات الإنسانية لآلاف النازحين في المدن الآمنة، فضلاً عن الغذاء والدواء والإيواء بالمناطق الملتهبة بفعل الصراع المسلح، ويواجهون الاستهداف من قبل طرفي الحرب، إضافة إلى تعرض عدد منهم للتوقيف والاعتقال.
أدوار مؤثرة
المتطوع في مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان مرتضى جبر الدار قال لمنصة (مشاوير) إن “تدهور الأوضاع وقسوة الظروف، إلى جانب عجز مؤسسات الدولة عن تقديم الخدمات للسكان الموجودين في مناطق النزاع المسلح، جعل المتطوعين يتصدون للمهمة من أجل سد جزء كبير من هذا الفراغ من خلال تقديم المساعدات الضرورية بخاصة خدمات الرعاية وتوفير الغذاء بدعم من تبرعات الخيرين والمغتربين، إضافة إلى بعض المنظمات المحلية والدولية، وذلك من خلال دورهم الطبيعي في مساعدة الناس في أوقات المحن والأزمات.
وذكر جبر الدار أن “هناك عقبات ومصاعب تحول دون إيصال المساعدات والأدوية للمستشفيات والمراكز الصحية، إلى جانب المواد الغذائية، إذ تُوقف في نقاط التفتيش وتصادر أحياناً قبل أن تصل إلى وجهتها، وذلك قبل إغلاق الطريق القومي الرابط بين الدلنج وكادقلي.
وأوضح أن “إغلاق الطرق أسهم في مضاعفة الأزمات بصورة غير مسبوقة، لا سيما في ظل انعدام الأدوية المنقذة للحياة إلى جانب المعينات الطبية وأزمة السلع الغذائية وارتفاع المتوفرة منها في المحال التجارية إلى أرقام جنونية.
وتابع : كثيراً من المتطوعين يتعرضون للاستهداف والحبس أحيانا، علاوة على تزايد عمليات سلب ونهب المواد الغذائية والأدوية في الطرقات ومن أماكن تأمينها، فضلاً عن احتجاز الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” متطوعين كثراً للاشتباه في تعاونهم مع الطرف الآخر، فضلاً عن تعرض آخرين للتفتيش والاعتقالات.
خدمات وتحديات
وفي ذات السياق، أشار المتطوع في منطقة الكلاكلة بالخرطوم محمود بشير في حديثه لمنصة (مشاوير) الي أن “مبادرات التطوع ظلت مستمرة لأكثر من “27” شهراً، ولم تقتصر على تقديم الوجبات اليومية وخدمات الكهرباء والماء، إذ تشكلت مجموعات من الأطباء والصيادلة لتوفير الحاجات الأساسية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والضغط، إضافة إلى متابعة الحالات الحرجة مثل الولادة والعمليات الجراحية الصغيرة، وكذلك انتظام أطباء وممرضين في العمل مجاناً في بعض المراكز الصحية والمستشفيات.
ويرى المتطوع أن الدولة فشلت في التعامل مع الأوضاع الكارثية للسكان،- على حد وصفه- لا سيما بعد تمدد المجاعة وتفشي الأمراض وتزايد أعداد الجرحى نتيجة القصف العشوائي، مما جعل المتطوعين يتصدون للمهمة، على رغم المخاطر اليومية والاستهداف من قبل القوات المتصارعة.
وشكا بشير من أن “انقطاع الدعم والهبات والتمويل للتكايا أدى إلى توقف أكثر من نصف المطابخ الخيرية عن العمل تماماً، بينما تترنح أخريات للأسباب ذاتها، وتقدم القليل منها وجبة واحدة في اليوم، نظراً إلى اعتماد المتطوعين على تبرعات المغتربين ومساهمات الخيرين، فضلاً عن المساعدات العينية من المواد التموينية مثل العدس والدقيق والفاصوليا التي يقدمها بعض التجار من المدن الآمنة.
تخوين وعدم ثقة
على الصعيد نفسه، أوضح الناشط المجتمعي الفاضل صالح في حديثه لمنصة (مشاوير) أن “الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” لا يثقان في المتطوعين، وربما يرجع ذلك إلى وجود أشخاص منهم كانوا أعضاء في لجان المقاومة التي قادت الاحتجاجات خلال ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير.
ولفت إلى أن “المتطوعين يعملون في المجال الإنساني منذ اندلاع الحرب ويقدمون خدمات نوعية، لكن تلقي التمويل من المنظمات والمغتربين يضعهم محل شكوك، نظراً إلى أن المجموعات التي تدير هذه المبادرات غير مسجلة لدى الحكومة السودانية وتستخدم في الغالب حسابات مصرفية شخصية وليس هناك أوجه صرف محددة للتمويل.
ونوه صالح بأن “الحكومة تنظر للمتطوعين بأنهم مجرد ناشطين سياسيين لا يدعمون موقفها في الحرب، وكذلك لا تندرج أنشطتهم تحت مظلة العمل الإنساني المتعارف عليه، كما تتهمهم قوات” الدعم السريع” بتلقي أموال من للجيش، لذا تقابل تضحياتهم وصمودهم بالتخوين والشكوك بدلاً من التحفيز والتشجيع لعكس قوة التضامن الإنساني في ظروف الصراع المسلح والأزمات.
أعمال إنسانية مشرفة
على نحو متصل، قالت المتخصصة في التنمية المستدامة مريم موسى لمنصة (مشاوير) إن “المتطوعين أسهموا في التعاطي بفاعلية مع الوضع الإنساني عقب اندلاع الحرب مباشرة في مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم، وتمددت المبادرات لتشمل الولايات التي تشهد نزاعات مسلحة في البلاد.
وبينت موسى أن “الاستهداف الذي يتعرض له المتطوعون غير مبرر، نظراً إلى أنهم يعملون لمساعدة الجوعى والمرضى والنازحين من واقع أنهم يعبرون عن المجتمعات التي يمثلونها، لذا فهذه المواقف تؤكد عدم انتمائهم لأي جهة سياسية أو طرف في الحرب.
وشددت المتخصصة في التنمية المستدامة على أهمية دعم الجهود الإنسانية التي أسهمت في إنقاذ حياة ملايين السودانيين، على رغم مخاطر القصف العشوائي وانفراط عقد الأمن، إلى جانب الاستهداف من قبل طرفي الحرب تحت ذريعة الانتماء والعمل المباشر لمصلحة الآخر.