ما يؤسف له كثيرا هو أن عددا من الشباب المؤلفين لم تجد أعمالهم الروائية والشعرية حظها من النقد.
ربما وجدوا تعريفا إعلاميا، ونشرت معهم حوارات صحفية، وتلفازية، وعقدت لهم منتديات احتفاء، وتدشين، في الداخل والخارج، ولكن الأهم هو النقد.
إذ من خلاله يدرك المؤلفون الشباب نواحي الضعف، والقوة، في العمل المطروح. ومن جانب آخر يستفيد المهتمون من هذه القراءات التي تزيد الوعي الثقافي.
لقد ظللنا نقرأ عن أزمة غياب النقد، أو النقاد المتخصصين، منذ فترة طويلة.
ويبدو أن هذه الأزمة ستستمر ما دام الذين امتهنوا التخصص النقدي هم قلة.
بل إنه لا يوجد أحد يستطيع أن يخلق من النقد مهنة تكفي لسد الرمق. وفي ظروف تراجع الصحافة الورقية، والمجلات الفصلية التي كانت تدفع عطية مزين للناقد، فإننا لا نجد أحدا متحمسا يتفرغ لهذه المهمة العسيرة.
ومع إحباط عدد من المؤلفين لعدم توفر نقاد يتناولون أعمالهم فإن بعضهم يلقون اتهامات كثيرة .
فيقال إن كثيرا من النقد في المشهد الثقافي يقوم على المجاملات والشللية مع بعض استثناء لنقاد قلة على قلتهم. ويرى شباب مؤلفون غاضبون أنه متى ما كنت تملك علاقة استلطاف طيبة مع هؤلاء النقاد فإن أعمالك ستجد حظها من الالتفاتة.
وهناك مبدعون آخرون يشكون من تحيز النقاد نحو مبدعين بعينهم، أولئك الذين يشاركونهم الأدلوجة، أو المناطقية، أو المرحلة الجيلية، او القرابة الجينية.
والناقد كما نعلم أنه إنسان يتأثر بما حوله. ربما كان مؤدلجا بالدرجة التي تجعله يقلل من قيمة أية رواية تعاكس قناعاته، أو ديوان شعر يطعن في قلب الأدلوجة التي نذر عمره لها.
وجزء من تعقيد أزمة النقد أن للنقاد انحيازاتهم أيضا للأشكال الفنية المطروحة.
فبعضهم ينحاز للتقليدية وبعضهم ينحاز للحداثة، وهناك من ينحاز لمدارس، واتجاهات، نقدية بعينها. وهاهنا يكون العمل الفني ضحية، وحتى إذا تم التعرض له فغالبا ما يسقط الناقد مواقفه على العمل. ولو أن الأمر غير كذلك فالناقد المنتمي للحداثة لا يجد شيئا غير تبخيس كل عمل شعري لا ينحو منحى التفعيلة، أو قصيدة النثر.
وإذا وُجِد ناقدٌ متمسكٌ بالمعايير الكلاسيكية فويل للتجريب الفني الذي يأتي بتصورات فنية جديدة. وبالتالي فإن مسألة النقد لا تتعلق فقط بالمضمون، وإنما بالشكل أيضا.
ومن ناحية ثانية فالناقد إنما هو كاتب بالأساس. ولذلك يصعب إجباره على نقد هذا العدد الكبير من الروايات ما دام الكاتب حر في تخير مكمن مادته.
وحين يصوم الناقد عن الاستمرار في عطائه فعندئذ لا ندري أهو موقف من المعروض بما يعني أنه لا يستحق الالتفاتة، أم أن الأمر يتعلق بالخوف من إساءة تفسير الكتابة الجديدة، أم أن الناقد يظن أن فهم الشاعر، أو الروائي، متقدم عنه وتبعا لذلك لم يستوعبه، أو يستهجنه؟.
والحقيقة أنه ليس بالضرورة أن يكون الناقد متقدما في وعيه الثقافي، والفني، على الكاتب، أو العكس.
فجزء من النقد إنما هو محاولة لتأويل النص، واستكناه جواهره، واختبار تماسكه. ولكن ينبغي للناقد أن يكون على دراية تامة بمتطلبات وظيفته.
وقد كان لدينا عدد من النقاد الذين اجتهدوا كثيرا لخلق عمل نقدي موازٍ، وقدموا أصواتا أدبية كثيرة في الشعر، والرواية، والتشكيل، والمسرح، في ذلك الزمن الذي كانت فيه مساحة النشر ضئيلة.
وما يزال بعض منهم يستعصم منتجا في قلعته، ومع ذلك فإن مساحة النشر اليوم صارت أوسع، ولا يستطيعون الإحاطة بها.