رد على مقال : حمدوك الانقلاب للكاتب سيف الدولة حمدنا الله
في خضم الأزمة الوطنية السودانية، يعود الجدل حول الرموز والقيادات التي احتلت المشهد السياسي، بعضها حمل أحلام الناس وآمالهم، وبعضها حاول أن يرتدي عباءة المجد المستعار، غير أن لحظة الحقيقة في كل مرة تُسقط الأقنعة وتُظهر الفارق بين الزعامة الحقيقية والصورة المُصطنعة.
مقال الأستاذ سيف الدولة حمدناالله المعنون بـ”حمدوك الانقلاب”، يفتح الباب لنقاش جاد يتجاوز الشخصنة إلى تحليل موضوعي لموقع وقيمة كل من الدكتور عبد الله حمدوك والدكتور كامل إدريس، في السياقين المحلي والدولي، ومدى صدقيتهما في أعين الشعوب والمؤسسات.
التحصيل العلمي: بين الوضوح والغموض
الدكتور عبد الله حمدوك يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مانشستر البريطانية، أحد أعرق الصروح الأكاديمية في العالم. لم تُثر حول سيرته العلمية أي شبهات، بل ظل يُحتفى به كخبير اقتصادي إقليمي ودولي بامتياز.
أما الدكتور كامل إدريس، ورغم تخرجه من جامعات مرموقة كجامعة جنيف، فقد ارتبط اسمه بعدد من التساؤلات حول الشفافية في سيرته الذاتية، لا سيما مسألة تاريخ ميلاده وادعاء ألقاب أكاديمية كـ”بروفسير”، دون وجود سجل أكاديمي موثق لتلك الدرجة، مما أضر بمصداقيته في الأوساط الدولية.
المناصب الدولية: ما بين المهني والسياسي
حمدوك لم يكن فقط موظفاً دولياً، بل كان ركناً أساسياً في منظومة الأمم المتحدة الإنمائية، عمل في أكثر من عشرين دولة أفريقية، وأسهم في تصميم سياسات للإصلاح الاقتصادي والحوكمة. تولّى مناصب عليا في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا (UNECA)، وهو ما جعل منه شخصية مألوفة ومحترمة في أروقة الدبلوماسية الدولية.
بالمقابل، شغل كامل إدريس منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، لكن فترته لم تخلُ من سجالات إدارية وانتهت باستقالته عام 2008، بعد تحقيقات داخلية شككت في مصداقيته. غادر المنظمة دون أن يترك إرثاً مهنياً يُستند إليه، بل لاحقته تهم تتعلق بسوء الإدارة والتضليل.
النزاهة والموقف الوطني
هنا يتبدّى الفارق الجوهري. عبد الله حمدوك عاد إلى السودان بعد الثورة، لا يحمل في جيبه طموح السلطة، بل مشروعاً مدنياً وطنياً، استند إلى وثيقة دستورية وتوافق شعبي. قَبِل بالمنصب لا مكافأة، بل استجابة لنداء الواجب، وعندما اصطدمت إرادته بحائط الانقلاب، استقال احتراماً لمبادئه وشعبه، رافضاً أن يكون شريكاً في قتل الثورة.
أما كامل إدريس، فقد عاد إلى المشهد من بوابة انقلاب عسكري، مُعيناً من سلطة فاقدة للشرعية، وشرع في ممارسة السلطة عبر تعيينات ومحسوبيات تُناقض خطابه الأول، دون سند شعبي أو برنامج وطني واضح. حتى اللحظة، لم ينجز شيئاً سوى التوجيهات الإنشائية والمراوحة في دائرة الشكليات.
السمعة الدولية: الكاريزما لا تُشترى
كان حمدوك محط أنظار العواصم الدولية، لا لأنه موظف أممي، بل لأنه مثّل روح الثورة السودانية، وأبهر العالم برصانته، وهدوئه، ووضوح رؤيته. استقبله زعماء الدول الكبرى بصفته رجل مرحلة وصاحب مشروع تحوّل ديمقراطي، ولم تُسجل عليه أي ملاحظة فساد أو تواطؤ.
أما كامل إدريس، فإن غيابه عن الفعل الدولي، وعدم قدرته على كسب أي اعتراف مؤسسي أو سياسي حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تعيينه، يكشف فرق الكاريزما، ووزن الحضور، وعمق الثقة. فقد انطفأ وهجه الذي كان يستمده من موقع أممي، لا من مشروع أو موقف.
ختاماً: ليست المقارنة بينهما عادلة
المقارنة التي حاول المقال إقحامها بين حمدوك وإدريس لا تقوم على معايير منصفة، بل تندرج في إطار محاولات تلميع شخصية فُرضت على الواقع بقوة السلاح، مقابل رجل أعطى ولم يأخذ، واحترم ولم يساوم.
ليس كل من شغل منصباً أممياً جديراً بقيادة وطن. وليس كل من يحمل دكتوراه قائداً. فالمعايير الحقيقية تبدأ بالنزاهة، والالتزام بالمبادئ، واحترام إرادة الشعوب، وقد أثبت حمدوك أنه رجل مبادئ، بينما لا يزال إدريس يبحث عن موقع وسط أنقاض سلطة منهارة.
حمدوك لم يكن “انقلاباً” كما زعم المقال، بل كان حالة استثنائية من النزاهة والهدوء في زمن الضجيج والتشويه. والتاريخ، في نهاية المطاف، لا يكتب بمنابر الولاء، بل بميزان الفعل والصدق.