يعيش سكان ولاية شمال دارفور خصوصاً مدينة الفاشر ومنطقة طويلة، وكذلك النازحين قي معسكرات الإقليم، أوضاعاً إنسانية صعبة، إذ ينعدم الغذاء الكافي ومياه الشرب والرعاية الصحية في ظل تفشي الأمراض والأوبئة القاتلة مثل الكوليرا، ومعاناة الأطفال من سوء التغذية، مما خلف آلاف المصابين ومئات الوفيات.
ويخيم شبح المجاعة على مناطق عدة، بخاصة بعد توقف “تكية” مدينة الفاشر، ونفاد السلع الغذائية وارتفاع أسعار المتوافرة منها في المحال إلى أرقام جنونية، إضافة إلى انعدام الأدوية والمحاليل الوريدية ونقص الكوادر الطبية.
وتؤوي منطقة طويلة أكثر من مليون نازح، ويتوزع نحو 800 ألف آخرين على مخيمات “كلمة وعطاش والسلام”، ويعاني النازحون من أزمات مستفلحة في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب.
سوء تغذية حاد
يقول الناشط في مجال العمل الطوعي الإنساني بمخيم “عطاش” هارون البشير لمنصة (مشاوير) أن “حالات سوء التغذية بلغت في معسكر واحد فحسب، نحو 500 حالة، بينما وصل عدد حالات سوء التغذية الحاد إلى أكثر من 200 حالة، معظمها من الفئات الضعيفة كالأطفال والمرضعات والحوامل.
وأضاف “توفي “13” طفلاً بمعسكر لقاوة للنازحين في شرق دارفور بسبب سوء التغذية، وعجز أسرهم عن نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
ونوه البشير بأن “المراكز الطبية القليلة التي لا تزال تعمل تعاني محدودية القدرة على الاستجابة لحالات الكوليرا المتزايدة، إذ تستقبل نحو” 100″ حال يومياً، في ظل نقص الكوادر الطبية والأسرة، إضافة إلى ندرة المحاليل الوريدية والمستلزمات الأخرى.
مرحلة الانهيار
في غضون ذلك، حذرت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين من أن الوضع الإنساني في دارفور بلغ مرحلة الانهيار الكامل، وأن أي يوم يمر يزهق فيه مزيد من الأرواح.
وكشف المتحدث الرسمي باسم المنسقية آدم رجال عن أن معدل التفشي اليومي لوباء الكوليرا في منطقة طويلة، وحدها، يراوح ما بين 100 إلى 200 حالة، إذ وصل العدد التراكمي من الإصابات إلى 2145 حالة مع 40 حالة وفاة، و207 حالات في مراكز العزل، بينما سجلت منطقة قولو في جبل مرة 23 إصابة وسبع وفيات.
وأوضح رجال أن “النازحين يعانون وضعاً تعجز الكلمات عن وصفه، إذ يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة من إيواء وماء وغذاء وعلاج وملابس والناموسيات، وأدوات الطبخ والملابس والصابون ومواد الصرف الصحي إلى جانب الدعم النفسي، محملاً طرفي الصراع مسؤولية الكارثة الإنسانية والقصف والانتهاكات التي يتعرض لها النازحون شمال دارفور.
وطالب بيان للمنسقية الأطراف المتحاربة بالوقف الفوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية فورية، مناشداً المجتمع الدولي إسقاطاً جوياً عاجلاً للمساعدات قبل أن تتحول المجاعة إلى إبادة جماعية صامتة.
تفشي الأمراض
في ذات السياق، أشار الطبيب المتطوع في معسكرات منطقة طويلة عبد الوهاب حسن في حديثه لمنصة (مشاوير) إلى أن “معسكرات النزوح تتفشى في أوساطها أمراض الكوليرا وسوء التغذية التي تؤدي إلى فقدان المناعة، كذلك فإن توقف عمل المنظمات العاملة ومغادرتها أسهم في غياب الدعم وعدم وجود مساعدات إنسانية، وبدأ الجوع يفتك بالأطفال وكبار السن بصورة مرعبة، ما يدعو إلى الأسى والحزن، ومرضى الكوليرا يموتون بأعداد متزايدة في ظل غياب تام للرعاية الصحية وعدم توافر الأدوية والمحاليل الوريدية.
ولفت إلى أن “تلوث المياه وانعدام الصرف الصحي تسببا في تفشي وباء الكوليرا في معظم معسكرات النازحين، ونتيجة لانعدام الأدوية حدثت مئات حالات الوفيات خلال فترة وجيزة، مما أثار المخاوف وسط سكان المخيمات.
ودعا الطبيب المتطوع طرفي الحرب “إلى التعاطي مع حقيقة أن عشرات الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن يواجهون خطر الموت بالجوع والمرض، ما لم تتم إجراءات عاجلة لتدارك هذا الوضع غير الأخلاقي، لإنقاذ النازحين في معسكرات إقليم دارفور.
تحذيرات أممية
في الأثناء، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان (أوتشا) من التدهور المتسارع للوضع الصحي في شمال دارفور في ظل تزايد حالات الإصابة بالكوليرا والحصبة والملاريا في مناطق طويلة والفاشر وكبكابية.
وذكر المكتب أن شركاء الأمم المتحدة على الأرض يكافحون من أجل تلبية الحاجات المتزايدة في منطقة طويلة، محذراً من ازدياد التحديات مع حلول موسم الأمطار.
وأشار “أوتشا” إلى أن الشركاء المحليين والدوليين أقاموا مراكز لعلاج الكوليرا، لكن الإمكانات الحالية بعيدة كل البعد من أن تكون كافية للتعامل مع تزايد عدد الحالات، في ظل الحاجة الفورية لموارد إضافية تشمل مزيداً من مراكز العلاج، والمرافق الصحية المتنقلة، وكذلك سيارات الإسعاف وأدوات إدارة النفايات.
جوع وحرمان الأطفال
على النحو ذاته، كشفت بيانات جديدة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، ارتفاعاً كبيراً في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في ولايات دارفور الخمس.
وارتفع العدد بنسبة 46 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.
وأفادت المنظمة بأن أكثر من “40” ألف طفل تلقوا العلاج في شمال دارفور وحدها، وهو ما يمثل ضعف العدد المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.
وسجّلت المنظمة أن معدل سوء التغذية الحاد تجاوز مستويات الطوارئ التي حددتها منظمة الصحة العالمية في غالبية المناطق.
وحذر شيلدون يت ممثل “اليونيسيف” في السودان من أن الأطفال في دارفور “يعانون من الجوع بسبب النزاع، ويُحرمون من المساعدات التي يمكن أن تنقذهم.
وأضاف المسؤول الأممي “حتى قبل أن يبلغ موسم الجفاف ذروته، فإن هذه الأرقام مرتفعة بشكل خطير، ومن المرجح أن تتفاقم دون اتخاذ إجراءات إنسانية سريعة”، واعتبر أن حياة الأطفال تعتمد على “ما إذا كان العالم سيختار التحرك أو تجاهل الأمر.
ضحايا العنف الجنسي
من جانبهاـ طالبت منصة نساء دارفور المجتمع الدولي والمنظمات بتقديم العون الإنساني العاجل لمواطني الفاشر والمعسكرات والقرى التي طالها الاعتداء، وتوفير أسباب الحياة من الماء والغذاء والدواء وحاجات النساء والأطفال باستخدام الإسقاط الجوي عبر طيران الأمم المتحدة، ضماناً لحياة المدنيين.
ونادى بيان المنصة بضرورة الإيواء العاجل لضحايا العنف الجنسي من النساء والفتيات والطفلات والأمهات، مع تقديم العون الطبي والدعم النفسي لهن إلى جانب ذوي الحاجات الخاصة والأطفال الذين تشردوا بسبب الحرب، ورصد وتوثيق الانتهاكات المرتكبة كافة بغرض معاقبة مرتكبيها وفق القانون الدولي الإنساني