توقفت طويلاً أتأمل وجوه أطفال كانوا، قبل سنوات قليلة، زنابق ورياحين تتفتح في بيئة من الوعي والتربية السليمة. في بداياتنا كأمهات في المهجر، كانت مدرسة السبت مثالًا للمكان الذي يضيء الطريق، ويضع اللبنة الأولى لاكتشاف مواهب أطفالنا وتنمية مهاراتهم، وحمايتهم من مزالق الحياة في الغربة.
وما زالت أنشودة “يا بابا سوق براحة، اتذكر إحنا معاك” تتردد في الذاكرة كنغمة ترمز للسلام والأمان، أنشودة ذُكرت في أحد أيام السبت التي امتلأت بالألعاب والجلسات، والصداقات التي استمرت حتى اليوم بين الأمهات والأطفال، بقيم تجاوزت الزمن، وانصهرت فيها محبة الأمهات بوعي الرائدات.
لكن، ومع اشتعال هذه الحرب المدمرة، دفع الأطفال ثمنًا باهظًا بفقدان الاستقرار والأمان والتوجيه السليم. وفي ظل الضغوط المتزايدة، وجدوا أنفسهم عرضة لرسائل سلبية عبر وسائل الإعلام المختلفة. الأخطر من ذلك هو تعرضهم لظاهرة خطيرة: العنف الممنهج والتغذية بالكراهية، حتى من مؤسسات يفترض أن تكون منارات للتربية على الوعي والسلام.
المؤسف أن بعض هذه المؤسسات تنتهج أسلوبًا يزدرى الفطرة السليمة، حيث يتم إقحام الأطفال في معارك السياسة عبر أناشيد عسكرية تحطّ من شأن المرأة، مثل “عيال عوين جرو” أو “عدونا كان تخلو”، بل ويتم إلباسهم ملابس تحض على القتال، في محاولة لتلميع صور سياسية على حساب براءة الطفولة.
إن مثل هذه الأنشطة ليست مجرد خطأ تربوي، بل جريمة بحق الطفولة، خصوصًا في بيئة المهجر التي يفترض أن تمنح الطفل مساحة أكبر للنمو السليم بعيدًا عن أمراض الحرب. فبدلًا من أن نضعهم في مسار التعليم والفنون والرياضة، يتم جرّهم إلى مسار الهوس الديني وتجييش الأفكار، وهو المسار ذاته الذي قاد بلادنا إلى ويلات المليشيات والدمار.
لذلك، نحن اليوم، كأمهات ورائدات، أمام مسؤولية مضاعفة: أن نقول كلمة واضحة وصريحة ضد عسكرة الطفولة وتسييسها، وأن ندعم كل نشاط يزرع السلام، ويعزز الاستقرار النفسي والفكري لأطفالنا.
لقد تركت مدرسة السبت بصمة وعي واضحة، وهي نموذج لما يمكن أن نصنعه إذا اجتمعنا خلف رسالة نبيلة: طفل ينعم بالأمان، يتربى على قيم الحياة، لا على أناشيد الحرب.
فلنقف جميعًا، رائدات وأمهات، صفًا واحدًا من أجل حماية الجيل القادم من التلاعب بعقولهم وأحلامهم، ولنبنِ معهم مستقبلًا يسوده السلام بدلًا من الحروب