محمد عبد الله عتيبي.. حروف عربية تشتبك بالأقنعة الإفريقية

حوار - خالد عويس

الخلاصة

محمد عبد الله عتيبي، فنان تشكيلي سوداني بارز ومؤسس مدرسة الخرطوم، يعكس في أعماله التراث السوداني والرموز الصوفية بأساليب متعددة مثل الانطباعية والتجريد. وُلد عام 1948، وفاز بجوائز دولية، ويؤمن بأن الفنون قادرة على تعزيز السلام في السودان رغم قلة الاهتمام المحلي. يعكس فنه تأثير الحرب والذاكرة البصرية السودانية العميقة.

ملخص بالذكاء الاصطناعي

يحتل محمد عبد الله عتيبي، مكانة مهمّة في الفن التشكيلي السوداني منذ عقود، وهو صاحب تجربة كبيرة، عَبَرت إلى العالمية، بوصفها فناً أصيلاً، وبصمة خاصة به، ناتجة عن ذاكرة بصرية مشبعة بمفردات الحياة اليومية في بلاده، و”رموزها” و”صوفيتها”، وبمدارس عدّة، مثل الانطباعية والواقعية والتجريد، وصولاً إلى اهتمامه الطاغي، واشتغاله على مدرسة ذات طابع “سودانوي”، هي مدرسة الخرطوم، أو “مدرسة الواحد”، وهو أحد مؤسسيها.

محمد عبد الله عتيبي

ولد عتيبي في الدويم، في ولاية النيل الأبيض عام 1948، وتخرّج من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم. عمل أستاذاً متعاوناً في كلية الموسيقى والدراما لاحقاً. فاز بجوائز عدّة في الشارقة والكويت والقاهرة وعمان.

كما شارك في عشرات المعارض التشكيلية داخل وخارج السودان، وتم اختياره عضواً في عدد من لجان التحكيم.

يعمل عتيبي عادة في النهار، “حين تكون الشمس في كامل سطوعها والألوان على حقيقتها”، ويستمدّ جذوة فنّه من معطيات سودانية عدّة، من بينها الأضرحة “الصوفية”، لكنه يعتقد أن التشكيل في بلاده لا يحظى بالاهتمام الكافي.

كيف تشكلت ذائقتك الفنية باكراً، ومن ثم اجتذبتك الفرشاة والألوان إلى هذا العالم؟

عشت حتى العاشرة في مدينة أم درمان، وهي مدينة زاخرة بالصور الشعبية، والقبائل السودانية بأزيائها وثقافاتها وفنونها. كنت أنهل من كل ذلك وأختزنه في ذاكرتي، وظهر لاحقاً على شكل أعمال فنية.

جانب من أعماله

هل من محطات كبرى في تجربتك الطويلة وكيف تشكّل تكوينك المعرفي والإبداعي؟

حين كنت طالباً في مدرسة “خور طقت” الثانوية في كردفان، خلال ستينيات القرن الماضي، وقع بين يدي كتاب من مدرسة “الانطباعيين الفرنسيين”، ووجدت فيه أعمالاً لمعظم الفنانين الانطباعيين، مثل مونييه، مانيه، رينوار، ديغا. أكثر من ثلاثين فناناً أعجبت بأعمالهم، وصار هذا الكتاب مفتاحاً لمجمل الفن التشكيلي.

 ماذا تعني لك الوجوه وما الذي تمثّله، وكيف تراها بمخيّلة الفنان؟

هي دلالة على الاختلاف في السحنات والإثنيات التي تعيش في بقعة جغرافية واحدة، وتعبير عن الهوية والوحدة في التنوّع. استخدمت هذه الوجوه لما يعرف بالقناع الإفريقي، وظهرت من خلاله أشكال وألوان في غاية الجمال، للتعبير عن الطقوس والاحتفالات الإفريقية المختلفة.

الملامح السودانية كثيراً ما تظهر في أعمالك كذلك الطقوس والأمكنة والرموز وغيرها إنما من زاوية نظر مختلفة؟

كثيراً ما استعمل الرموز التي ذكرتها، باعتبارها مفردات أستطيع من خلالها صياغة مشاهد وتكوينات جديدة، وإعادة ترتيب العالم من الفوضى، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

جانب من أعماله 

حضور المرأة كبير في أعمالك، من زاوية فلسفية كيف تراها، ولماذا هي حاضرة إلى هذا الحد؟

المرأة هي رفيقة الرجل في دروب العمر، تهِب الحياة للطفل بالحمل والولادة والرعاية حتى يشتدّ عوده ويصير رجلاً، وهي الأم والزوجة والأخت. رحلت زوجتي قبل بضع سنوات، وتركت الكثير من الحزن، لذلك ظهر في أعمالي هذا الحضور المتواصل.

يبرز “الأبيض والأسود” في بعض أعمالك، هل من رمزية محددة لانتقاء هذين اللونين؟

اللونان الأبيض والأسود يمثّلان الأضداد في الحياة، والليل والنهار. ويمكن أن يشكّلا عملاً فنياً راقياً بإضافة اللون الرمادي، وهو لون محايد لكن وجوده مهم بالنسبة للألوان الأخرى.

تتنوّع أعمالك بين السريالية بطابع سودانوي و”الحروفية” ومدارس فنيّة أخرى، وكأنك لم تعتنق مدرسة واحدة بل ربما هي مدرسة خاصة؟

جرّبت كل المدارس الفنية من الواقعية وحتى التجريد، لكن المدرسة التي اشتغلت عليها كثيراً بطابع سودانوي، هي “مدرسة الخرطوم” التي تحوّلت إلى “مدرسة الواحد”، وهي المعادل النظري لها. فمدرسة الخرطوم لم يصدر لها بيان او اتفاق بين العاملين على هديّها، وأبرزهم شبرين والصلحي. إنها مدرسة قائمة على اشتباك الحرف العربي والأرابيسك بالزخارف والأقنعة الإفريقية، لإبراز اللوحة سودانية، ويمتد ذلك إلى ضروب الفنون الأخرى.

كيف تجري عملية “الإلهام” في لوحة ما، هل هي نتيجة الملاحظة والرغبة في التجريب أم وليدة لحظتها؟

أقف أمام اللوحة البيضاء فتستفزني، فأبدأ بالنقطة والخط والمساحة. وأثناء ذلك تتداعى الأفكار والذكريات، مصحوبتين بالمخزون البصري منذ الطفولة وحتى الآن. أعمل على أن تكون اللوحة جاذبة من ناحية التصميم والتلوين، وأن تكون معبّرة عني وعن البيئة التي أعيش فيها، مع الانفتاح على الفضاء الإنساني.

جانب من أعماله

هل من طقوس تمارسها أثناء العمل مثل التأمل أو العزلة؟

أعمل عادة في منتصف النهار، حين تكون الشمس في كامل سطوعها و”الألوان على حقيقتها”. أحب كذلك سماع الموسيقى الكلاسيكية أثناء عملي، والأغاني السودانية وأغاني “الزمن الجميل” و”الحقيبة”. الموسيقى تساعد على التركيز وتتكامل مع العمل التشكيلي.

هل يختبئ التصوّف الفلسفي في ركن من روح كل فنان؟

نعم اعتدت الذهاب إلى ضريح الشيخ حمد النيل في أم درمان عصر كل جمعة، لحضور مظاهر الذكر. شيء أشبه بالمسرح واللوحات المتحركة والإيقاعات والمدائح والأزياء والألوان والاخضر الطاغي.

لا يقتصر الأمر على التشكيليين فقط، فالمسرحيون والشعراء والأجانب والمصوّرون وغيرهم، يهزهم الشوق والطرب، فيدخلون إلى حلقة الذكر ويتجاوبون مع الإيقاعات. لكن الصوفية أعمق من ذلك، في محبة الله ورسوله، كما نقول بالدارجة السودانية: “الما عنده محبة ما عنده الحبة”.

يرى البعض أن التشكيل السوداني بمدارسه المختلفة والذاكرة البصرية المتخمة و”التجريب” لم يحظ بالاهتمام كما الفنون الأخرى لماذا؟

التشكيل السوداني متقدّم ومنتشر في كل القارات، من خلال أعمال فنانين مميّزين. أعتقد أن سبب عدم اهتمام المسؤولين والجمهور، يعود إلى عدم إدراكهم أهمية التشكيل ودوره في حفظ تراث الأمّة، فضلاً عن التربية الفنية منذ الصغر، والبنية التحتية اللازمة لإبراز الأعمال الفنية.

هل تنطبع في ذاكرة التشكيليين السودانيين “ذائقة فنيّة” موغلة في القدم منذ نقوش ورسومات وأعمال مملكة “كوش”؟

جاءت بعد مملكة “كوش” عدة ممالك مسيحية منها “المقرة” و”علوة” و”سوبا”، وكلها لها فنونها التي أثّرت في أجيال الفنانين لاحقاً، من رسومات ونقوش ومنحوتات ورموز، مثل مفتاح الحياة، والصور الجانبية للشخوص، وبعض أشكال الهيروغليفية، واللوحات المسيحية المبذولة في المتاحف و”دمّرتها الحرب”.

جانب من أعماله

حرب السودان الحالية لها خصوصيتها وأثرها العميق. كيف تنظر إليها كإنسان وفنان؟

هي أشبه باجتياح المغول لبغداد، والسلب والنهب وتدمير البنية التحتية للدولة، من منازل السكان والأعيان المدنية، من مستشفيات وجامعات ومكتبات ومتاحف. والحرب سجال، وهي لم تنته بعد.

كيف انعكس كل ذلك على أعمالك؟

أنجزت 4 أعمال طوال الحرب هذه، ومن المحتمل أن أنجز أعمالاً أخرى.

ما العلّة التي تقود إلى هذه الحروب والأزمات من وجهة نظرك كمثقف؟

الحرية والعدالة هي التي تؤدي إلى السلام، فمنذ الاستقلال لم يجلس السودانيون ليقرّروا كيف يحكم السودان ويسود السلام والرضى. وسبب آخر هو توفّر السلاح في أيدي الدول والأفراد، من عصر الرماح وحتى عصر المسيّرات. ونتيجة للفتن، تُصرف معظم الأموال على شراء السلاح على حساب التعليم والصحة والغذاء والدواء.

هل الفنون قادرة على الإسهام فعلياً في رتق أزمات بلد كالسودان؟

الفنون جميعها من مسرح وموسيقى وتشكيل وسينما، هي أدوات تعبير عن ثقافة الجماعات المختلفة التي تعيش في إقليم واحد، في تعايش سلمي واحترام لثقافة الآخر، بعيداً عن العنصرية وخطابات الكراهية . نعم الفنون يمكن أن تسهم في رتق أزمات السودان، وتشيع المحبة والاستقرار والسلام، إذا صدقت النوايا والمقاصد.

Exit mobile version