حين تستدر مدينة التاريخ السائل، حليب الشمس؟!

الجميل الفاضل 

يبدو أن كل ما لا يقتل نيالا في هذا المنعطف التاريخي المهم، سيقويها لا محالة بشكل أو بآخر.

إذ هنا، علي أخطر تقاطع بين التاريخ والجغرافيا، تقبع الآن هذه المدينة، كوعاء تاريخي يتهيأ لإنتاج وعي سياسي مغاير.

ف”البحير” تلك المدينة التي تمردت، علي كل مقاييس رسم خرائط العواصم التقليدية. 

قبل أن تكسر خطوط طولها وعرضها كفخار يابس بين يدي صناع عهدها المنتظر.

هي مدينة تواجه اللحظة أكثر المواقف تطرفاً تجاهها كعاصمة بديلة مرتقبة، مواقف تعبر في جوهرها وحقيقتها عن انعكاسٌ لأعمق مشاعر الداخل والخارج، إنهزامية.

بل وللحقيقة فإن التاريخ السائل في هذه المدينة وحولها لم يعد مجرد مادة لفهم الماضي، فقد أضحي هو بالضبط فرصة للتحرر من هذا الماضي نفسه.

المهم فعند ساعة الحقيقة، لا مهرب من الحقيقة، الا الي الحقيقة.

لتتساقط من ثم كل الخرافات والأساطير القديمة، تتساقط كاوراق الشجر في فصل الخريف.

تهبها هكذا عاصفة عاتية، من شأنها أن تقتلع اشجار نسب مؤسطرة تدب اليوم الشيخوخة في اوصالها، ظلت تضفي على سادتنا وكبرائنا قداسة وتوقيرا زائفا ومصطنعا، توارثته أصلابهم جيلا بعد جيل.

هي عاصفة تحمل بذور لقاح سودان جديد، علماني، وفيدرالي، من شأنها أن تعصف بتمظهرات الإسلام السياسي بكافة صيغه ومستوياته.

بل وبساسة لا صلة لهم بالواقع، ولا شان لهم بالسياسة كما ينبغي أن تكون مضمارا للتعاطي بحصافة، مع معطيات الراهن والمباشر والممكن.

انها عاصفة ينتظر أن تطيح بكل القديم الذي فقد كل مبررات وجوده.

علي أية حال، أبت السماء في هذه المدينة صباح أمس إلا أن تتلبد قليلا بشيء من الغيم قبل أن ترعد وتمطر لتبلل الأرض والرؤوس الحاسرة، تحشر المارة تحت فرندات المحلات ورواكيب بائعات الشاي.

لتهدأ الحركة في الشوارع قليلا ريثما تنسرب المياه المتساقطة من علو شاهق عبر خياشيم الأرض الي مصارفها المعتادة.

السحب التي كانت تلثم قبل هنيهة ثغر السماء، أفرغت جعبتها، لتنعش آمالا في نفوس أرهقها طول المسير وقساوة الظروف وآثار الحروب.

فالشمس هنا مصدر الطاقة الأول، لها قيمة مضافة.

إذ هي سر من أسرار إستمرار الحياة علي نحو ما في هذه المدينة المشمسة، ألواح الطاقة الغامقة والزرقاء ترفع أكفها في كل ناصية لإستدرار حليب الشمس من كبد السماء.

Exit mobile version