المصباح .. اعتقال مستحق، أم مجرد تمثيلية؟

صلاح شعيب

تفاوتت بشكل واضح آراء المحللين السياسيين في الميديا الحديثة حول ما جرى للمصباح أبو زيد. 

وتراوحت الحجج المتخيلة حول خفايا هذا الاعتقال الثاني خارج بلاده. وظل السؤال مطروحاً: “أهي واقعة اعتقال حقيقية، أم أنها مسرحية طرفاها الجيش السوداني والسلطات المصرية؟.

لقد تعددت الحيثيات هنا وهناك حول هذا الموضوع الذي زادته التحليلات غموضاً من حيث إنها أرادت مد الرأي العام بالحقيقة.

إذ يرى فريق أن نشاطات المصباح كانت مزعجة للحكومة المصرية بالصورة التي ماثلت إزعاجه للسلطات السعودية، والتي اعتقلته أثناء زيارته للمملكة ثم أطلقت سراحه في خاتم المطاف. 

وسرد هذا الفريق عدداً من الحيثيات المتصلة بعلاقة المصباح بمؤسس نسخة داعش السودانية المعتقل لدى الدعم السريع، وأشارت إلى تحيزه لحماس، فوقاً عن قيامه بنشاط سياسي ضد مصر الرسمية لم ترتح له سلطات القاهرة الأمنية.

بل وصلت استنتاجات هذا الفريق إلى أن البرهان متورط في المعمعة، ويريد التخلص منه في محاولة للارتياح من عبء هذا الثقل الاسلاموي الذي يحرجه مع دوائر إقليمية، ودولية. 

ويرى فريق آخر أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون مجرد حبكة درامية من تأليف السلطتين المصرية والسودانية، وإخراج أمن الدولة في القاهرة، وأن الاعتقال يصب في صالح مستقبل عمل البراءيين في جبهة الحرب، وأن القصد من الاعتقال هو إكساب المصباح المزيد من التعاطف مع فصيله الدموي ليحقق خطوات ناجحة على صعيد منازلة الدعم السريع.

اياً كانت التفسيرات هذي حول حادثة اعتقال المصباح فإن القصة كلها تعبر عن أزمة أخلاقية لكبار الإسلاميين في الزج بالشباب في أتون مواقف، وحروب موغلة في العدمية. إذ يدفعون فلذة أكباد البلاد إلى الصفوف الأمامية في لحظات الوغى ليستشهدوا لصالح المشروع بينما هم، وأبناؤهم، يتنعمون بالحياة الرغدة في منازل فاخرة الآن في بورتسودان، والقاهرة، ودبي، واستانبول، وكوالامبور حتى. 

وشباب البراء لن يكون آخر ضحايا مكر كبار الإسلاميين، وفي ذهننا أن لا أمل في الحفاظ على امتيازاتهم غير استمالة العقل البض لشبابنا الذي يتم تجنيده في سن باكرة لا يعون فيها كل خفايا العمل السياسي المركزي عبر تاريخه المستدام لاستغلال جهد هذه الفئة الاجتماعية من أجل مشاريع سياسية انتهازية.

وبالرغم من شح المعلومات هذه حول أسباب اعتقاله بواسطة السلطات المصرية، ومدى تورط جهات سودانية في هذا الفعل كما يشاع، فإن الفتى المصباح يعد ضحية الدولة سواء تم اعتقاله بحق، أو بمسرحية غبية الإخراج. 

فهو، وزملائه، الذين تم استغلال دمائهم في الحرب الجارية يمثلون الإهدار الأعظم للموارد البشرية التي كانت طوال فترة ما بعد الاستقلال مبذولة للحفاظ على امتيازات النخبة الحاكمة.

نحن نعرف أن حصاد الفئة الإسلاموية المتنفذة، والوسيطة، من نعيم الدنيا في فترة الإنقاذ جاء بعد إهراق دماء شبابية سودانية غالية. بعضهم جاهدوا في الجنوب، وآخرون قدمتهم القوات المسلحة قرباناً للتوصل إلى مقاسمة السلطة مع قرنق.

إن هذا الشباب المغرر به الذي تم ابتعاثه إلى موت الارتزاق في اليمن – بجانب الموظفين في هذه الحرب – هم من غالب الأسر الفقيرة، وجزء قليل منهم يمثلون أبناء الطبقة الوسطى الذين ليس من حظوظهم الدراسة في الجامعات الأوربية، أو الأميركية. 

إن دماء شباب البراء التي روت الحرب تمثل إضافة إلى مأساة الدولة المركزية التي أزهقت أرواح الملايين من الشباب السودانيين لصالح استراتيجيات أيديولوجية خاسرة. 

والحقيقة أنه لم يقتصر هذا الدور فقط على التنظيم الإسلاموي. فمعظم حكوماتنا العسكرية والديمقراطية، وحركاتنا المسلحة، استثمرت في دماء شبابنا بينما حصد قادتها طول السلامة، واقتسام السلطة مع هؤلاء الذين فتكوا بأرواح الشباب انفسهم. 

مهما تكن مبررات ما جرى للقائد الداعشي المصباح – بحكم جرائم تنظيمه أثناء الحرب – فالحقيقة الجوهرية هي أن جماعة البراء بن مالك الشبابية ليست سوى استثمار المشروع السياسي للإسلاميين في شباب السودان. ذلك لمقتضى إنجاز الزيجات الثانية، أو الثالثة، أو الأربعة، ومراكمة المال الحرام، وتوريث الوضع البرجوازي للأبناء والأحفاد، وحيازة هذه الأسر الثرية على مستقبل النفوذ، والسلطة، والثروة.

سيخرج المصباح من معتقله يوماً منتصراً بالحبكة الدرامية، أو منكسراً بفعل بطش الأمن المصري. ومع كل هذه التكهنات المتناوبة حول ما جرى له بمصر فإنه سيظل في حاجة للاعتبار بما قيل بأن شباب الإسلاميين الذين ماتوا في الجنوب كانوا مجرد “فطايس”، والعهدة على الراوي..! ولو لم يكن الأمر كذلك لما فرش الكيزان البساط الأحمر للراحل جون قرنق في مطار الخرطوم، والذي فوج جيشه عشرات الآلاف من الشباب الإسلاميين إلى جحيم الموت.

ترى متى يعي شبابنا الإسلاموي المتحدر من الأسر الفقيرة، ومتوسطة الحال، أنهم ليسو اكثر من وقود لحروب توقدها الرأسمالية الطفيلية في البلاد حتى تحافظ على مصالحها، لا أكثر، ولا أقل؟

Exit mobile version