الحرب تضاعف معدلات ختان الإناث في السودان 

أم درمان - تقرير - بخيتة زايد الصافي 

على رغم زيادة الوعي المعرفي في السودان، ووجود تشريعات قانونية تجرم ممارسة الختان، وبروز عدد كبير من المجموعات النسوية والمنظمات الحقوقية المناهضة لاستمرار الظاهرة، إلا تداعيات الحرب أسهمت في تنام وانتشار الظاهرة، لا سيما بعد نزوح آلاف الأسر إلى المناطق الريفية. 

ختان الإناث يسهم في التشويه المتعمد للأعضاء التناسلية لدى كثيرات عقب استخدام إجراءات وبروتوكولات مخالفة للوائح الطبية، خصوصاً من أطباء وقابلات وأسر لا يزالون يجرون العمليات سراً وعلناً في بعض المدن والأقاليم والأرياف، على رغم وجود قانون تشريعي يجرم تلك المخالفات ويحاسب عليها، لتبقى مثل هذه الأعمال خارج نطاق الرقابة.

وتخشى كثير من المجموعات النسوية في السودان انتشار الظاهرة، خصوصاً في ظل استمرار الحرب وغياب السطات المناط بها تطبيق القوانين في البلاد. 

توعية بمخاطر الختان في إحدى القرى

ممارسة تقليدية 

في إحدى قرى ولاية نهر النيل اخضعت الطفلة “م” (14 سنة) وشقيقتها الصغرى “ع” لعملية الختان رغماً عن رفض والدتهما وتحت إصرار الجدة عميدة الأسرة الممتدة والتي أصرت على إبنها باجراء العملية لأنها وبحسب عرفهم تعتبر تقليد وموروث في المنطقة، ولابد لكل طفلة وفتاة أن تتعرض لها وإلا اصابتها وصمة طول حياتها. 

تقول والدة الفتيات بأسى في حديثها لمنصة”مشاوير” أنها وقفت عاجزة أمام تسلط وجبروت الجدة وبالرغم من اصرارها على عدم إجراء عملية الختان لبناتها، وكانت تأمل أن يقف والدهن أمام تجبر أمه، ولكنه اذعن لها باعتبار أن العادة هي الأفضل لكل فتاة في عمر بناته وأنها الحافظ للشرف والعفة.

مشاكل صحية

تقول “م” انها تعرضت لنزيف شديد واصيبت بالتهاب حاد فى الأعضاء التناسلية وتم اخضاعها لعلاج لم يكن سهلاً عليها، مما سبب لها اضرابات نفسية قاسية ومرت باكتئاب ومعاناة شديدة وصدمة عصبية حادة. 

موضحة أنها أصبحت إنعزالية ولا تحب مجالسة أو مخالطة أحد، وقاربت مرحلة التوحد وتجزم أنها مازالت تعانى من آثارها. 

وتؤكد أنها حال كبرت وتزوجت وانجبت بنات لن تجري لهن هذه العملية القاسية الموجعة.

 وتضيف الصغيرة “ع” أنها أيضاً تعرضت لمعاناة شديدة وصعوبة لأن العملية كانت قاسية وجعلتها تصرخ بجنون من شدة الألم، مؤكدة أنها مازالت تعانى ذعراً ويصاحبها اضراب ليلاً وخوف شديد لأنها تتذكر الألم والوجع أثناء العملية.

سيدة ترعى ابنتها المختونة

تداعيات الحرب 

ترى المواطنة السودانية سامية أحمد في حديثها لمنصة (مشاوير) أن “تداعيات الحرب هي السبب الأساسي في ختان بناتها، وأنهم حال لم تضطرهم الظروف على النزوح إلى الأرياف، لما حدث لهم من تراجع عن القيم الهامة والاذعان إلى العادات الضارة. 

واستنكرت عدم ختان الطفلات بحسب عاداتهم وتقاليدهم والعرف السائد، وبالرغم من رفض والد الفتاة وتهديده لها بابلاغ السلطات إذا ما اجريت العملية وتعرضت الطفلة إلى أي خطر او مضاعفات، بيد أن الجدة انتهزت فرصة سفره ودون أن تشاور إبنتها وبمعرفتها أخذت الطفلة إلى قابلة واجرت لها عملية الختان الذي كاد أن يؤدي بحياة الصغيرة بسبب نزيف حاد تمت السيطرة عليه بواسطة طبيب كان متواجدا بالمنطقة تمكن من انقاذها، في وقت كانت فيه المستشفيات خارج الخدمة بسبب الحرب والقصف المتواصل، واصر والدها على اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة الجدة والقابلة. 

قابلات دون اشتراطات طبية  

تقول الطبيبة والاستشارية سماح ميرغني لمنصة (مشاوير) إن “ختان الإناث من المهددات للأطفال والشباب في المستقبل، إذ لديه أخطار صحية على الفتاة الصغيرة، ويؤدي إلى الوفاة.

وأضافت : بحكم عملي في المجال الطبي كنت شاهدة على سيدات لقين حتفهن نتيجة تعثر الولادة بسبب الختان منهن ثلاث صديقات، فضلاً عن الآثار النفسية مثل تخوف الفتاة من الزواج والممارسة الجنسية نظراً إلى وجود آلام دائمة.

ونبهت ميرغني إلى أن “لختان الإناث أخطاراً صحية تؤدي في كثير من الأحيان إلى الإجهاض المتكرر والتأخر في الإنجاب والالتهابات الحادة في عنق الرحم نتيجة الجراحة خلال عمليات الولادة، فضلاً عن الآثار النفسية للفتاة منذ الصغر بسبب الخوف المستمر.

وتتابع الطبيبة السودانية “لا توجد رعاية صحية متكاملة في بعض ولايات السودان والمناطق النائية، وتعمل القابلات دون اشتراطات طبية تسهم في نجاح عمليات الختان، لا سيما التعقيم والحقيبة الطبية، والأمر المؤسف استخدام القابلات لخيوط الحبال التقليدية في العمليات، وهو ما يؤدي إلى تعرض الفتيات لأخطار صحية بالغة الأثر في المستقبل، علاوة على اتباع بروتوكول فحص الدم قبل إجراء العمليات لمعرفة نسبة السيولة، وحدثت وفيات عدة نتيجة النزف الحاد والمستمر جراء الإهمال المتعمد وعدم تنفيذ خطوات فحوص الدم.

الاداة التي تستخدم في عملية الختان

غياب القانون  

في ظل تصورات المجتمعات عن أهمية العفة والشرف بالنسبة إلى الفتيات باتت قضية الختان في السودان شائكة ومعقدة، لتداخلها ما بين الاجتماعي والثقافي والديني.

يوضح المحامي والناشط في حقوق الإنسان نعمان الشريف في حديثه لمنصة (مشاوير) أنه “لا يوجد قانون يجرم ختان الإناث في السودان، والتشريعات الموجودة عبارة عن أوامر أو لوائح تمنع المختصين من الأطباء والممرضات عن القيام بإجراء عمليات بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في البلاد، مع ذلك لم تحد هذه اللوائح أو تمنع انتشار الختان وظل كثير من الكوادر الطبية يمارسه في الخفاء حتى في العاصمة الخرطوم. 

وأضاف أن “الظاهرة لها امتدادات مجتمعية عميقة وغارقة في القدم، وحتى الآن الوعي المعرفي لم يتبلور من أجل المناهضة، لا سيما شمال السودان وغرب وجنوب دارفور، والمناطق النائية في ولاية سنار وكذلك ولاية النيل الأزرق.

وطالب الشريف المدافعين عن حقوق الإنسان بضرورة “تنظيم حملات مناصرة لمحاربة العادات الضارة والمسيئة للمرأة السودانية وإيقاف الجرائم التي ترتكب في حق الطفلات.

ونوه المحامي السوداني أنه “في الفترة من عام 2003 وحتى أبريل 2023، نظمت حملات توعوية عدة، فضلاً عن برامج وأنشطة من المدافعات عن حقوق المرأة والمجموعات النسوية الغرض، منها توسيع دائرة المعرفة والثقافة في ما يخص ختان الإناث، أسهمت في خفض النسبة في عموم ولايات السودان.

ويتابع “على رغم الجهود الكبيرة ما زالت نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث مرتفعة بشكل مخيف، خصوصاً في إقليم دارفور وشمال السودان وولايات كردفان ومناطق الهامش، وبفضل الوعي والتعليم تخلت عدد من الأسر عن هذه العادة في مدينة مدني بولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم.

مناصرة ومناهضة

ظلت المجموعات النسوية في السودان تعمل بصورة مستمرة للقضاء على ظاهرة ختان الإناث، وشكلت الجهود دعماً كبيراً وأسهمت في التغيير.

وفي هذا السياق اعتبرت الناشطة في العمل النسوي وحقوق المرأة هالة الطيب في حديثها لمنصة (مشاوير) أن “بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية جريمة بشعة في حق الأطفال، ويتسبب بمشكلات صحية ونفسية واجتماعية تستمر مع الفتاة طوال حياتها، لكن المجتمع السوداني المحافظ ظل ينظر إلى الختان على أنه مصدر للعفة مع وصم الفتيات غير المختونات. 

وأضافت أن “منظمات المجتمع المدني والمدافعات عن حقوق المرأة والمهتمات بقضاياهن، ناهضن الظاهرة بقوة وطالبن بضرورة وحماية وسلامة أجساد الطفلات.

ونوهت الطيب أن “حملات المناصرة وبرامج التوعية المستمرة وجدت طريقاً شائكاً، إذ وقفت التقاليد عقبة في طريق خفض نسب الختان المتزايدة، لا سيما في الولايات والمجتمعات الريفية.

ولفتت الناشطة في العمل النسوي أن “تمدد رقعة الحرب يسهم في ممارسة الختان على نطاق واسع، خصوصاً في ظل غياب السلطات المناط بها تطبيق القوانين في السودان. 

وتابعت “قضية الختان تراكمية تحتاج إلى عمل مكثف وتوعوي من الدرجة الأولى للقضاء عليها، نظراً إلى انتشار الجهل في المناطق الريفية، فضلاً عن الخوف من المجتمع في ما يتعلق بتقييد البلاغات ضد مرتكبي جرائم الختان.

Exit mobile version