إن معالجة موضوعنا شائكة في ظرف ينال فيه القذافي درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم وتقام فيها قاعات بأسماء أشخاص مشبوهة مصادر أموالهم. وأذكر أنني راجعت مديرا سابقا لجامعة الخرطوم في ما خص موقفه من سياسة الإنقاذ، فانبرى أحد تلاميذه الحاصلين على درجة علمية متقدمة في مجال البستنة ليوبخني كيف أنه جاز لي انتقاد بروفيسير في مجال التاريخ لمجرد نيله عضوية الحوار الوطني.
والحقيقة أنني في مقالي ذاك كنت أقدم تساؤلا هادئا، نعم مجرد تساؤل، عن علاقة العلم بالأخلاق، وموقف الذي تقلد الوظيفة الأكاديمية الكبيرة من الديموقراطية، والحريات، والتخريب المتعمد الذي نالته جامعة الخرطوم تحت سمع وبصر من أدارها.
ويبدو أن ذلك “البروفيسير” قد أخذته حمى التعصب لأستاذه وأراد أن يقدسه بالشكل الذي يدفع دونه سهوم النقد كما تصورها.
ولعل هذا التصرف نفسه أمر مفهوم. فنحن دائما في المجال العام ننتقد البعيدين ولكنا ندافع عن أساتذتنا، والأصدقاء، والأقارب حين يخطأ أحدهم.
فيمكنك أن تسلق نافع علي نافع بألسنة حداد، وتسميه أب عفين، ما دام لا تربطك به صلة نسب، أما ابنك فتتمنى له التوفيق والسداد في مهمته الرئاسية!.
أما في مجال الكتابة والإعلام فنشاهد ابتذالا عظيما للدرجات العلمية والمهنية سواء كان ذلك يتمثل في استباق الاسم بلقب البروفيسير، أو الدكتور، أو المهندس، أو الفريق، أو اللواء، أو المحامي، أو السفير.
وما من شخص وجدته شفافا، ومتمثلا لتقاليد النشر الأخلاقية في هذا المجال، مثل الأستاذ بدر الدين الهاشمي، الحاصل على درجة البروفيسير. فهو ينشر مقالاته دون أن يذيلها بالألقاب الأكاديمية وهو الذي قدم للمكتبة السودانية سفرا عظيما عن ما جاء في المدونات الغربية عن السودان.
وما يزال الهاشمي يكتب أسبوعيا ترجمات قيمة دون أن يدرك القراء درجته العلمية. والغريب أن بعض الكتاب لا يكتفي بلقب واحد وإنما يردفه بلقبين علميين أو مهنيين، أو ثلاثة أو أربعة، وأحيانا لا تكتفي الكاتبة بسبق اسمها بالدرجة العلمية وإنما تضيف المهنية أيضا.
وأذكر أنني وقعت على مقال رأي لمتقاعد فكاد أن يختفي اسمه منه. فقد ذيل الأستاذ الكريم اسمه هكذا: “أ، الدكتور، المهندس، اللواء أركان حرب، السفير محمد علي صغيرون”.
أما شعراؤنا، وأدباؤنا، الذين يقدمون لنا الروايات، والدواوين، فإنهم لا يعملون بنصيحة قتل الدرجة العلمية عند الغلاف، فتراهم يعرفون قارئ الرواية، أو الشعر، بأنهم أيضا محامون، أو دكاترة، أو بروفيسيرات.
ولذلك يجب عليك عزيزي القارئ أن تدرك هذه الحقيقة بينما أنت تتصفح هذا الأدب الذي كتبه هؤلاء الأشخاص الرفيعون المقام.
والسؤال الذي ينطرح هنا ألا يكفي النص بذاته عن الديباجة التعريفية أم أن القصيدة أو المقال لهما علاقة بشخص يملك منهجية متعددة وبالتالي يصعب علينا نقده إن لم نكن مثله في الخلفية العلمية والمهنية؟ والسؤال الآخر هل يسبق هؤلاء أسماءهم بتلك الخلفيات المهنية من أجل أن يفيدونا برجاحة رأيهم، أو أدبهم، أمام من يكتبون أسماءهم حافية. وبمعنى آخر ما هي علاقة الإبداع الكتابي بالدرجة العلمية؟