(1)
تركزت الأنظار على الحراك الدولي الأخير فيما يخص الحرب اللعينة التي اعلنتها القوى المضادة للثورة على شعبنا، وتعددت التحليلات حول ما تم فيه من تحولات جديرة بالرصد. حيث شهدنا بيانا من مجلس الأمن يشدد على وحدة البلاد ويرفض الاعتراف بحكومة الجنجويد ويطالب بوقف إطلاق النار وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ويعكس بذلك توجها عاما واضحا ومتفقا عليه من المجتمع الدولي في ظل تنوع معلوم وتعارض مصالح بين الكبار ومن ينخرط في مشروعاتهم. وشهدنا كذلك تحركا جماعيا من مجموعة متحالفون التي تضم الولايات المتحدة وسويسرا والسعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، أصدرت بيانا يسير في نفس الاتجاه المذكور ويضيف ضرورة تواجد الأمم المتحدة انسانيا. وواكب ذلك تحركا امريكياً على مستوى رفيع ، حيث التقى المبعوث الأمريكي بالجنرال الانقلابي المزمن رئيس السلطة غير الشرعية في سويسرا، وتسرب ايضا انه قد التقى بزعيم الجنجويد ، لمناقشة نفس الأمور التي طرحت في البيانين أعلاه ، مع ترجيح انه قد تم مناقشة التسوية السياسية على اساس مشاركة كل السودانيين ما عدا المطلوبين في جرائم دولية. واستنتج البعض ان الحل سيفرض من الخارج حتماً ، وانفرجت أسارير القوى المدنية المنخرطة في مشروع المجتمع الدولي، وربما بدأت في اختيار ربطات عنق وزرائها ايضاً!!
(٢)
ودون التقليل من دور المجتمع الدولي في حرب تم تدويلها مبكراً ، لا بد من ان ندلف لقراءة مستعجلة ومختصرة لتوازن الضعف بين طرفي الصراع في اللجنة الأمنية للإنقاذ ، لحساب توازن الضعف بينهما، بإعتباره العامل الحاسم الذي سيسمح للمجتمع الدولي بإنهاء الحرب وفقا للوصفة الدولية أم لا. وبالنظر لتطور المعارك بين الجيش المختطف والجنجويد، نشهد بصورة عامة انحصار المعارك المهمة في دارفور وكردفان – وهي مناطق سيطرة مليشيا الجنجويد الإرهابية ، وانحسارها في مناطق سيطرة الجيش المختطف، مما يعطي انطباعاً بتقدم قائم على نقل الحرب إلى أراضي العدو. لكن في نفس الوقت ، نشهد هزائم مروعة للجيش المختطف والمليشيات الداعمة له في ساحات القتال وابادة تامة لمتحركاته ، آخرها كان في منطقة “أم قعود” بكردفان، حيث تم سحق قوى المليشيا الاسلاموية الداعمة للجيش، وقتل قائدها المؤثر وجميع من معه. بالمقابل تقدمت مليشيا الجنجويد الإرهابية بإحكام الحصار اكثر على الفاشر ووصولها حتى سجن شالا، بالرغم من فشل هجومها الأخير على المدينة المحاصرة حصارا ظالما ويموت أهلها جوعا، وفقا لارادة ديمقراطية الجنجويد وجماعة تأسيس.
(٣)
واكب هذه الهزائم التي تعرضت لها سلطة الجيش المختطف غير الشرعية، قرارات الجنرال الانقلابي المزمن بإحالة عدد من ضباط الجيش المختطف الإسلاميين للمعاش، وإصدار قرار بتبعية المليشيات المساندة للجيش المختطف للقيادة العسكرية في المنطقة المعنية ، وإخضاعها لقانون القوات المسلحة لأول مرة، مما يعني سيطرة شكلية ربما لا تكون فعلية عليها، ووضعها في وضع التمرد في حال رفض التبعية. وبالرغم من ان هذا القرار لا قيمة له من ناحية قانونية لصدوره من غير ذي صفة، ولا قيمة دستورية له كذلك وخصوصا فيما يخص حركات دارفور التي يحكم تبعيتها للجيش المختطف من عدمه ترتيبات دستورية واردة بإتفاق جوبا وهي جزء من الدستور، إلا أن الأثر السياسي للقرار لا يمكن انكاره. إذ يمكن تفسيره على انه اخضاع للمليشيات الاسلاموية للجيش المختطف، ليصبح جزءا من الصراع الداخلي بين تيارات الحركة الإسلامية المجرمة على السلطة. فعلى عكس ما يظن البعض من ان القرار هو انقلاب من الجنرال الانقلابي المزمن على هذه الحركة المجرمة، فهو يأتي في سياق صراع أجنحتها الداخلية، لأن الجنرال اعجز من ان يقوم بتصفية هذه الحركة وكادرها المهيمن على الجيش المختطف او حتى مجرد إضعاف قبضتها على هذه المؤسسة غير القومية، وهو يعلم بأنه يقود منظومة مسيطر عليها ومختطفة من هذه الحركة المجرمة ، وأنه لا يستطيع اكثر من الانخراط في نشاط التيار المنتصر منها للحفاظ على منصبه، وكذلك يعلم ان المجتمع الدولي صاحب المصالح المتعارضة، لن يخوض حربه مع الإسلاميين- ان وقعت – نيابة عنه!
(٤)
فالحراك الذي يتم داخل سلطة الجيش المختطف الفعلية لا على مستوى حكومة الواجهة التي لا يسمع لها صوتا ولا يأخذها احد في الداخل او الخارج بجدية لأن هناك اجماع على صوريتها وعدم شرعيتها، يؤكد ان الأمر صراع داخلي بين تيارات الحركة الإسلامية المجرمة المتفقة على دعم الجيش المختطف واستمرار الحرب، والمختلفة على كيفية الاستمرار فيها وفي الموقف من التعامل مع المجتمع الدولي وفي كيفية التعامل مع قيادة الجيش الحالية وكيفية إدارة الحرب نفسها. لذلك الخلاف ابعد من تنفيذ تعليمات الأمريكيين بإقصاء الإسلاميين من الجيش ، وهو امر يعلم الأمريكيون قبل غيرهم ان قيادة الجيش المختطف لن تستطيع القيام به. فالأمر يتعلق بالخط السياسي بمجمله وبمن يسيطر على السلطة ، لا بإعادة التموضع للتعاطي مع المجتمع الدولي، وإن كان من الممكن توظيفه في هذا الاتجاه بكل تأكيد.
(٤)
والسؤال المهم هو هل كل هذا الحراك يعني ان الحركة الإسلامية المجرمة التي أشعلت الحرب وجنرالاتها اقتنعوا بوقف الحرب والخضوع لارادة المجتمع الدولي؟ والإجابة هي لا! فوفقا لموقع بروباكستاني الشهير، قامت سلطة الجيش المختطف غير الشرعية بعقد صفقة كبيرة لشراء أسلحة باكستانية بقيمة مليار ونصف دولار في حين يموت المواطنين من الجوع وتفرض رسوم لجلوس طلاب التعليم العام للامتحانات في المدارس. في نفس الوقت تصر هذه السلطة على إرسال المتحركات بالرغم من تكرار إبادتها ، وتحاول احكام قبضتها على المليشيات التابعة لها لحسن توظيفها وضمان عدم تمردها، كما ان خطابها السياسي ما يزال خطاب حرب، ولم تقم بأي محاولة في اتجاه تخفيف الخطاب وتهيئة جمهورها لقبول تسوية مع المليشيا الأرهابية والقوى المدنية التي تم شيطنتها في اطار التعبئة للحرب. وهذه المؤشرات تؤكد بأن هذه السلطة غير الشرعية والمجرمة، فوق أنها مصرة على اثقال كاهل المواطنين بتكلفة الحرب ، تجد مصادرا للتمويل ايضا من الخارج عبر التفريط في السيادة الوطنية واللعب على المحاور. والمليشيا الأرهابية بالطبع ليست افضل حالا، فهي مازالت تفرض حصارا ظالما ومميتا على مدينة الفاشر، وتقوم بالهجوم عليها بشكل متكرر، ومازالت في حالة تعبئة عامة وخطاب إعلامي قائم على تسعير الحرب ، ونشاط محموم لترسيخ حكومتها التي ولدت ميتة، وفرض ادارتها الأهلية حتى على من يعارضونها ، والبحث عن حلفاء جدد يساهمون في تقديم مزيد من الوقود للحرب.
والخلاصة هي انه بالرغم من أهمية الضغوط الدولية، إلا ان الحاسم في الوصول إلى تسوية لإيقاف الحرب بين طرفي الصراع، هو توازن الضعف بينهما ، الذي يقود إلى اقرارهما معا بعدم القدرة على الاستمرار في الحرب ، ويمكن المجتمع الدولي الذي يقوم باختبار ارادتهما من وقت لآخر عبر الضغوط، من فرض ارادته عليهما.
والمطلوب هو عدم انتظار المجتمع الدولي لحسم الصراع ، والمشاركة الفاعلة في حسمه عبر استكمال تكوين الجبهة القاعدية القادرة على وقف الحرب وفرض السلام والاستمرار في طريق الثورة.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
22/8/2025