أعلنت مجموعة “محامو الطوارئ” السودانية مقتل “12” شخصاً في الأقل في غارة بطائرة مسيرة على عيادة في مدينة نيالا الخاضعة لسيطرة قوات “الدعم السريع” في إقليم دارفور، وحملت الجيش مسؤولية الهجوم.
وجاء الإعلان بعدما أفاد مصدر طبي بأن قصفاً لقوات “الدعم السريع” أدى إلى مقتل سبعة أشخاص في الأقل وإصابة “71” آخرين في مدينة الفاشر المحاصرة.
وقال مصدر من مجموعة “محامو الطوارئ” التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان خلال النزاع المستمر بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، إن الضربة وقعت ظهر (السبت) وأصابت مستوصف يشفين في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أنهم يتوقعون ارتفاع عدد القتلى، بحيث أشارت تقارير أولية إلى احتمال مقتل عشرات المدنيين والعاملين في المجال الطبي.
ولم يصدر تعليق فوري من الجيش السوداني. وقال المصدر الطبي إن القصف على مدينة الفاشر وقع (السبت).
ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حرباً دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب عام 2021، وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”، وأسفر هذا الصراع عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين.
وتفرض قوات “الدعم السريع” حصاراً منذ مايو من العام نفسه على الفاشر، المدينة الرئيسة الوحيدة في إقليم دارفور التي ما زالت تحت سيطرة الجيش.
ومنذ سيطر الجيش على الخرطوم في مارس، صعدت قوات “الدعم السريع” هجماتها على الفاشر والمخيمات المحيطة بها في محاولة لإحكام قبضتها على غرب السودان.
واستهدف الهجوم الأخير أحياء مكتظة في غرب المدينة قرب المطار الذي تحاول هذه القوات السيطرة عليه.
وتوقع المصدر الطبي في مستشفى الفاشر طالباً عدم الكشف عن هويته أن “يكون عدد الضحايا أكبر بسبب أن البعض لم يستطيعوا الوصول إلى المستشفى، جراء كثافة القصف”.
وأفاد المصدر الذي تم التواصل معه عبر الأقمار الاصطناعية لانقطاع الاتصالات بأن من بين الجرحى الذين يعاني معظمهم إصابات بشظايا، “22” حالة حرجة.
صندوق قتل حقيقي
أصبحت مدينة الفاشر المهددة بالمجاعة معزولة عن العالم بلا مساعدات إنسانية. وتتعرض المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل فيها لقصف متكرر، في وقت سيطرت قوات “الدعم السريع” على مقر الشرطة المحلية.
وكشفت صور الأقمار الاصطناعية من مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل (الخميس) عن أن قوات “الدعم السريع” أقامت أكثر من “31” كيلومتراً من السواتر الترابية المرتفعة “مما أدى إلى إنشاء صندوق قتل حقيقي” في المدينة، وفقاً للتقرير.
وقال المدير التنفيذي للمختبر لوكالة الصحافة الفرنسية ناثانييل رايموند إن قوات “الدعم السريع” حاصرت الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه في أقل من 12,9 كيلومتر من المدينة.
وأضاف “إنها (المساحة) الأصغر منذ بدء الحصار”. ومنذ أكثر من عام، يعاني السكان المحاصرون الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو “300” ألف نسمة، نقصاً حاداً في المياه والغذاء، وفق عاملين في المجال الإنساني.
بؤرة لمعاناة الأطفال
تحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” من أن الفاشر أصبحت “بؤرة لمعاناة الأطفال”.
وأعلنت الأمم المتحدة المجاعة في مخيمي زمزم وأبو شوك قرب الفاشر، منبهة إلى أن “40” في المئة من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد أو سوء التغذية الحاد الشديد.
ولجأ كثر من السكان إلى أكل علف الحيوانات، وغالباً ما تنتهي المحاولات اليائسة للهروب من المدينة، بالموت بسبب التعرض للبرد أو الجوع أو العنف.
وقال رايموند إن “نمط الحياة ينتهي”، مضيفاً أنهم “يموتون في فقر وتحت نيران الأسلحة والقصف، ويُقتلون أثناء محاولتهم الفرار”.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التابعة لجامعة ييل، توسيع مساحة المقابر في الأشهر الماضية.
وأشار رايموند إلى أن “الجزء الأكثر إثارة للقلق، هو عندما لا يبقى أحد لحفر القبور بعد الآن”.
وانبثقت قوات “الدعم السريع” من ميليشيات الجنجويد التي أطلقها الرئيس السابق عمر البشير قبل أكثر من عقدين في دارفور، حيث ارتكبت فظائع في العقد الأول من الألفية.
ووفقاً للأمم المتحدة خلفت الحرب في دارفور من عام 2003 حتى انتهائها في العام 2020 نحو” 300″ ألف قتيل و2,5 مليون نازح ولاجئ.
وإذا نجحت قوات “الدعم السريع” في الاستيلاء على الفاشر ستكون قد سيطرت على ولايات دارفور الخمس.
وحذر متخصصون من أن قبيلة الزغاوة غير العربية في المدينة قد تواجه مصيراً مماثلاً لقبيلة المساليب غير العربية في مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، حيث أفاد خبراء الأمم المتحدة بأن نحو “15” ألف شخص، غالبيتهم من القبيلة، قُتلوا عام 2023 في مجازر نسبت إلى “الدعم السريع”.
وعلق رايموند أن “الجنجويد على وشك الانتصار في عملية الإبادة الجماعية بأكملها، والتي كانت قد بدأت مطلع القرن الـ21، والعالم لن يفعل شيئاً حيال ذلك”.