السودان: شمال كردفان.. ساحة جديدة لتصعيد عسكري يفاقم الأزمة الإنسانية في السودان

تقرير - رشا رمزي

تشهد ولاية شمال كردفان منذ أيام تصعيداً عسكرياً واسع النطاق بين القوات المسلحة السودانية وحلفائها من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، في مشهد يعكس انتقال رقعة النزاع إلى مسارح جديدة تزيد من تعقيد الصراع المستمر منذ أكثر من عام. المواجهات التي اندلعت في مناطق كازقيل والرياش ورهيد النوبة وأم صميمة، كشفت عن تنافس محموم للسيطرة على طرق استراتيجية، أبرزها طريق الصادرات الغربي الذي يربط الخرطوم بإقليم كردفان، ما يجعل المعركة تتجاوز بعدها العسكري لتدخل في إطار إعادة رسم خطوط النفوذ بين الطرفين.

الكباشي في محور كردفان

الجيش السوداني أعلن استعادة السيطرة على منطقتي كازقيل والرياش بعد معارك ضارية، مؤكداً تثبيت وجوده في تلك المناطق الحيوية. وفي المقابل، أكدت قوات الدعم السريع أنها أحكمت سيطرتها على رهيد النوبة، في خطوة وصفتها بانتصار ميداني جديد يفتح أمامها الطريق لمزيد من التقدم نحو العمق الكردفاني. لكن تضارب الروايات بين الطرفين جعل من الصعب التحقق من الوضع الفعلي على الأرض، خاصة أن كلاً منهما يسعى إلى تثبيت سردية انتصاراته أمام جمهوره المحلي والإقليمي.

الجيش السوداني والقوات التب تقاتل إلى جانبه

الميدان لم يخلُ من رسائل سياسية مصاحبة، إذ لجأت قوات الدعم السريع إلى تصوير صراعها مع الجيش باعتباره مواجهة ضد ما تصفه بـ”دواعش الحركة الإسلامية”، في محاولة لتبرير معركتها بأنها جزء من “معركة التحرير الشاملة” الهادفة إلى إنهاء نفوذ الإسلاميين في مؤسسات الدولة. في المقابل، ظهرت تسجيلات مصورة لعناصر من لواء البراء بن مالك المتحالف مع الجيش داخل كازقيل، لتؤكد أن الصراع بات محمّلاً ببعد أيديولوجي يربط بين الحسابات العسكرية والانقسامات السياسية المتجذرة.

جانب من المعارك

إلى جانب الاشتباكات البرية، اعتمد الجيش على الطائرات المسيّرة لتنفيذ ضربات استباقية قبل التقدم الميداني، وهو تكتيك عسكري يعكس محاولة استنزاف قدرات الدعم السريع قبل الدخول في مواجهات مباشرة. زيارة نائب القائد العام، الفريق شمس الدين كباشي، إلى مناطق العمليات جاءت لتؤكد أن الجيش يعتزم توسيع عملياته نحو شمال وغرب كردفان وصولاً إلى مدينة الفاشر، ما يشي بتحول استراتيجي في مسار الحرب قد يعيد رسم موازين القوى في الإقليم.

طيران الجيش السوداني

غير أن هذا التصعيد العسكري لا ينفصل عن المشهد الكارثي الذي تعيشه مدينة الفاشر، حيث يستمر القصف المدفعي والاشتباكات في محيطها الشمالي والشمالي الشرقي. السكان هناك يواجهون أزمة إنسانية خانقة، مع غياب المستشفيات العاملة بشكل كامل ونقص المواد الغذائية، ما اضطر لجان المقاومة إلى الاعتماد على المطابخ الجماعية لتوفير وجبة واحدة يومياً لعشرات الآلاف من المحاصرين. نداء المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات إلى الفاشر، يعكس إدراك المجتمع الدولي أن الأزمة تجاوزت حدود النزاع المسلح لتدخل في مرحلة تهدد حياة مئات الآلاف.

قوات الدعم السريع

المشهد السوداني بات أكثر قتامة مع تحذيرات الأمم المتحدة من أن البلاد تواجه واحدة من أسوأ أزمات الغذاء في العالم، إذ يعاني أكثر من خمسة وعشرين مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما يقترب الملايين من حافة المجاعة. هذه الأرقام، إلى جانب تقديرات تشير إلى مقتل ما بين عشرين إلى مئة وثلاثين ألف شخص منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، تكشف أن الحرب لم تعد مجرد صراع على النفوذ العسكري، بل كارثة إنسانية غير مسبوقة تدفع ثمنها الأكبر المجتمعات المحلية في دارفور وكردفان.

وبينما يتسابق الجيش والدعم السريع على إعلان الانتصارات الميدانية، يظل السؤال الأهم معلقاً: إلى أي مدى يمكن أن تفضي هذه المواجهات إلى حسم عسكري حقيقي، أم أنها مجرد جولات إضافية في حرب استنزاف طويلة ستدفع السودان أكثر نحو هاوية الانهيار الشامل؟

Exit mobile version