لمدة أربعة أيام، لم يشرب ناظر مهنى علي سوى مياه الأمطار وهو يسلك طريقاً خطرة غرب الفاشر، هرباً من هجمات قوات “الدعم السريع” على المدينة الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الجيش في شمال دارفور.
كان الوضع في الفاشر التي تحاصرها قوات “الدعم السريع” منذ مايو 2024، “صعباً للغاية بسبب الجوع والعطش”، وفق علي الذي يوضح لوكالة الصحافة الفرنسية “كنا نتناول فقط الأمباز في الفطور والغداء”، أي قشور الفول السوداني التي غالباً ما تستخدم كعلف حيواني.
هجمات عنيفة
وتشهد الفاشر منذ أسابيع هجمات هي الأعنف منذ بدء الحرب، مما أسفر عن وقوع عشرات القتلى ومحاصرة نحو 260 ألف شخص داخل المدينة.
ويوجد مخرج واحد من المدينة من جهة الغرب، في اتجاه مدينة طويلة على بعد “70” كيلومتراً عبر طريق تملأها الجثث، وفق ما يقول فارون.
وتحدثت وكالة الصحافة الفرنسية مع ثلاثة ممن نجحوا في الوصول إلى طويلة، وهم على قيد الحياة: علي وأحمد وصديق.
أربعة أيام على الطريق
قبل الفرار إلى طويلة، نزح علي وعائلته من منزلهم بحي السلام إلى مدرسة كان يحتمي فيها بعض سكان الفاشر من القصف العنيف.
ويتذكر علي “كنا في المدرسة حين خرج أبي وأخي الصغير للعمل، وأصيبوا في ضربة من طائرة مسيرة تابعة لـ’الدعم السريع‘، توفي والدي على الفور بينما نقل أخي إلى المستشفى”.
بعد تلقي أخيه ما توافر من الرعاية الطبية، قرر علي وعائلته الفرار إلى طويلة، “أخذنا الطريق الشمالي الغربي، ولكن فوجئنا بأفراد ’الدعم السريع‘ في الشارع، تم نهبنا وضربنا وسرقة جميع ما نملك”.
على رغم صعوبة الطريق، واصلت أسرة علي السير “لمدة أربعة أيام، وصلنا طويلة في اليوم الخامس، على الطريق، لم نأكل إلا الأمباز ولم يكن معنا ماء، وشربنا من مياه الأمطار”. في طويلة، لا يزال علي وعائلته في حاجة إلى “الإيواء والطعام”.
جرائم حرب
وأكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان في بيان صادر (الجمعة) الماضي ارتكاب الطرفين “جرائم حرب على نطاق واسع ومنهجي”.
مشيرة إلى استهداف الجيش و”الدعم السريع” البنى التحتية والأسواق ومخيمات النزوح.
خرجنا ولم تلتئم جروحنا
ونزح عادل إسماعيل أحمد (24 سنة) إلى طويلة من مخيم أبو شوك في ضواحي الفاشر بعدما “سقطت قذيفة مدفعية على منزلنا، ويقول “كنت أنا وأخي في المنزل وأصبنا”، مضيفاً “كسر ذراعي وأصبت بشظايا في فقرات الظهر وفي الساق بينما أصيب أخي في الرقبة والصدر”.
لم يتمكن أحمد من تحمل كلف العلاج، و”خرجنا من الفاشر ولم تلتئم جروحنا بعد، مكثنا يومين على الطريق”.
في إحدى المدن بين الفاشر وطويلة، “حفر لنا شخص حفرة تحت شجرة اختبأنا فيها طوال النهار وتحركنا بعد المغرب إلى طويلة” تجنباً للاصطدام بمقاتلي “الدعم السريع”.
حين وصلوا إلى طويلة الواقعة تحت سيطرة “حركة تحرير السودان” التي توجد في مناطق عدة من السودان، نقل أحمد وأخوه إلى مستشفى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود”، “حيث نظفوا لنا جروحنا، وأنا الآن بانتظار إجراء عملية”. وقال إنه يريد فقط العثور على العلاج وعمل من أجل تأمين قوت عائلته.
فررت عدْواً
واندلعت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو في أبريل (نيسان) 2023، وقسمت المعارك الدامية البلاد وخلفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين.
بعد القصف المتكرر على أبو شوك، قرر محمد صديق (28 سنة) النزوح، لأن “المعيشة أصبحت صعبة جداً”.
اعترضه مقاتلو “الدعم السريع” على الطريق، “واتهمونا بأننا متعاونون مع الجيش، على رغم أننا قلنا لهم إننا مدنيون”.
احتجز صديق مع أربعة أشخاص آخرين، وتعرضوا للضرب بالعصي “حتى نعترف”، وبعد أربعة أيام من الاحتجاز، “وجدت فرصة للهرب ففررت عدواً”.
ويقول إنه لا يستطيع حتى اليوم تحريك يده اليسرى بسهولة، وركبته متورمة، ويذكر صديق أن الجوع كان أكبر المشكلات في الفاشر حيث ارتفع سعر الأمباز أكثر من ثلاثة أضعاف في الآونة الأخيرة.
ويروي صديق أن المدنيين كانوا أثناء القصف يحفرون حفراً ليحتموا فيها لعدم وجود ملاجئ، “ولم نكن حتى نستطيع إغلاق تلك الحفر”. ويقول “الوضع في طويلة أفضل من الفاشر بكثير، ولكننا لا نزال في حاجة إلى الإعانة”.