(لو داير تقعد معانا عشان تعرف الشغلانه وتتعلم وتكتب المعلومة الصاح أقعد لكن ماتقعد عشان تكتب البتسمعوا ده).. كنت وقتها أتلمس خطواتي الأولى في العمل الإعلامي بعد أن تحولت من تلفزيون السودان إلى شبكة الجزيرة وبدأت مسيرتي الرياضية وكنت دائم الحضور إلى نادي المريخ في الأمسيات حيث كان كبار النادي وأعضاء مجلس الإدارة يجلسون على النجيلة في حوار مفتوح مع رواد النادي وبعض الجماهير العابرة ولفيف من الصحافيين ، كانت العبارات على قسوتها بعض الشئ أول درس تعلمته
، وهكذا هو رجل المريخ القوي محمد الياس محجوب حقا وحقيقة وليس لقبا أو وصفا هلاميا وإعلاميا.. واضح وحاسم وصاحب قرار وفي ذات الوقت حكيم ولطيف وصاحب طرفة وضحكة .. يتعامل معك بإحترام ويختلف معك باحترام حتى ولو تباعدت بينكم مسافات الرؤى في المريخ..
جذبني هذا النسيج الاجتماعي الفريد فكنت حريصا على تعلم بعض الأشياء وكذلك بدافع الفضول الصحفي كنت أعرف بعض التفاصيل عن قرب، كان رواد النادي هيبة في ذلك الزمان بمقامات مختلفة ومجموعة الصحفيين الذين يداومون على الحضور ليس كلهم على وفاق مع مجلس “القيادة التاريخية” وقتها رغم أنه حقق ثلاثية الدوري في أعوام 2000,2001,2002 وهتفت له الجماهير ( الكاس الكاس ياودالياس) ولكن السمة المميزة كانت أن الحوار الديمقراطي كان يسود والرئيس نفسه يتوسط حلقة النقاش .. تارة ترتفع الأصوات وتارة يسود الانفعال ثم تهبط الأنفاس لينتهي كل شئ وفق قناعات كل طرف
ثم يخرج الجميع بمحبة في طريقهم لتناول العشاء في مطعم النوش وهناك لوحة رياضية أخرى يرسمها أيضا رواد نادي الهلال بالتلاقي الحميم والمداعبات اللطيفة والخشنة مرات وتمر عربة ودالياس يضرب البوري ويرفع يده بالتحية للجميع ثم يمضي .. إنه زمن جميل لن يتكرر.
محمد الياس محجوب كان يمثل جيل الوسط الذي تعلم فنون العمل الإداري من الجيل الذهبي فقد عمل مع فطاحلة الإداريين بشير حسن بشير وعبدالرحيم عثمان صالح وعوض أبوزيد والحاج زروق وحسن أبوالعائلة وغيرهم وكان دائما يحكي ويفاخر لنا بعلاقته الوطيدة مع الحاج شاخور والمعزة الكبيرة في قلبه للحاج مزمل مهدي والأستاذ طه صالح شريف ومحبته لقريبه القبطان حاج حسن عثمان، أما علاقته مع الأب الروحي الأستاذ حسن محمد عبدالله فهي متفردة وعميقة عامرة بالود والصفاء وكنت صاحب حظ سعيد بأن شهدت وتابعت كيف كان يحترم رئيس الرؤساء مهدي الفكي وكيف كانا يشكلان ثنائيا رهيبا في فترة التسجيلات لجمع المال من رجال الأعمال والتجار وكبار الموظفين المريخاب قبل أن ينضم إليهما لاحقا رفيق دربه فتحي إبراهيم عيسى ثم شيخ العرب محمد علي الجاك ضقل وكان من أجمل ثمار هذه الجولات التاريخية الرئيس المحبوب ” جمال الوالي” الذي كان يدعم سراً ثم عرفناه عندما تكفل بتسجيل إبن فداسي هيثم الرشيد نجم التسجيلات وقتها وهذه قصة سأحكيها يوما ما.
ربما يكون ودالياس يمثل جيلا بحاله تسلم الراية وحيدا من العمالقة الذين خالطهم في (المسطبة الشهيرة ) أو جالسهم على (البرش) فقد دخل النادي في بدايات الستينات يافعا لم يكمل عامه العشرين بعد أن تخرج من مدرسة الأحفاد الثانوية ودخل معها السوق كعادة أغلب أبناء التجار الكبار وقتها فهو سليل ” الكوارتة”.
قدم نفسه لمجتمع الرموز بكل كبرياء.. شخصية متعلمة وإبن أسرة عريقة لها تاريخ في السودان وأمدرمان والمريخ وتاجر لديه مال وفوق كل ذلك عاشق متيم بالنجمة الحمراء.
حكي لي ودالياس شخصيا أنه تقلد منصب نائب أمين خزينة نادي المريخ وعمره 29 عاما وذلك في مطلع السبعينات وقبلها كان ضمن اللجان المساعدة وقريبا من حاج شاخور لذلك لم يتهيب التجربة وعرف عنه بأنه لم يشاهد مباراة قمة من داخل الملعب طيلة مسيرته الإدارية فصاحب القلب الكبير لايحتمل التوتر ولكنه يكون أول الحاضرين في النادي عقب المباريات التي يخرج فيها الأحمر فائزا ليحتفل مع الجماهير.
ارتبط إسم ودالياس بتاريخ المريخ الذي يفاخر به الأجيال فهو قائد أول بعثة عادت بكأس جوي ” سيكافا الأول” موانزا ودار السلام وهل تنسى تلك الأيام؟
لم يعرف المعارضة الهدامة قط في المريخ وكان دائما يقول: أنا مابعارض في المريخ ولا أعترف بالكيانات والمسميات”.. وكذلك يردد أن العمل في المريخ لاعلاقة له بالسياسة ( هنا مريخاب وبره أحزاب) ويكفي أنه حمل كأس سيكافا للواء خالد حسن عباس في المعتقل .. أي وفاء هذا ؟؟
كانت له مدرسة إدارية متفردة في العمل الإداري اليومي وكذلك الحرص على الاجتماع الأسبوعي للمجلس كل يوم ثلاثاء في دار النادي.. لايعرف القرارات المطبوخة ولا يعترف باجتماع خارج مقر النادي ولا يوافق إلا على قرار جماعي أو بالتصويت حتى ولو كان ضد رغبته وقناعاته ولايعرف الضرب تحت الحزام في خلافاته..
سأكتب المزيد عن سيرة ومسيرة الزعيم ودالياس فقد كنت قريبا منه ويعتبرني إبنه وكنت أيضا شاهدا على الكثير من تفاصيل مجلسه التاريخي الذي كان يضم خيرة الرجال وأبرزهم نواب الرئيس اللواء فيصل محمد عبدالله وعثمان الدقير وسكرتيره دكتور محجوب صديق وأمين خزينته محمد فقيري عدلان ورئيس القطاع الرياضي الكابتن عادل أبوجريشة والأعضاء محمود عبدالمنعم والمقدم عمر بوب وهاشم الزبير وعزالدين الربيع وحسن إدريس وعاصم وداد وشيخ العرب ضقل ثم لاحقا حسن عبدالسلام .. رحم الله الأموات منهم.