دعونا نتفاكر ونتحاور حول ضرورة ربط الكتابة، بتوأمها القراءة، وكيف تُعزّز إحداهما الأٌخرى
مدار أوّل:
“حرامٌ عليّ الطعام .. إذا جاع جاري .. وإن أرهق العُريُ فى الشرق نفساً .. حرامٌ عليّ دِثاري .. وإن أوجع البردُ فى الغربِ نفساً .. حرام عليّ لحافي ودفئي وجذوة ناري .. وإن لم تجد طفلةٌ في الفلبين، كاس حليبٍ .. فكيف أطيقُ حليب صغاري”… ((سميح القاسم))
مدار ثاني:
“كيف تريد أن تكتب إذن، وانت لم تعُد تقرأ، ولا تُحسن الإصغاء، ولا تحاول فك ابجدية المعرفة، القراءة زيت قنديلك، أيها القابع فى عتمة الثقة !”… ((قاسم حدّاد))
-1-
فى روايته الماتعة، والتي حملت العنوان الذكي (الطوف الحجري) التي الّفها عام 1986، كتب الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو النص التالي: “يقولون أنّ الكتابة عمليّةٌ صعبة جدّاً، إنّها من المسؤوليات الكبرى… يكفي التفكير فى العمل الشاق الذي يحتاجه الترتيب الزمني للأحداث، أوّلاً هذا، وبعده ذاك،……إلخ “… ويمضي خوسيه قُدماً – يُكتب أيضاً (جوزيه) – ليقول: “الكتابة هي شكلٌ من أشكال الترجمة، حتّى حينما نستخدم لغتنا الخاصّة، حيث ننقل تجاربنا ومشاعرنا ومعتقداتنا”… ولجوزيه/ خوسيه، رؤىً خلّاقة عن الكتابة والترجمة، والعلاقة بينهما، ولكن، رأيت أن لا يكون هذا المقال، مقام الحديث عنها – أي الترجمة – وآثرت ترك الخوض فى غمارها، لوقتٍ آخر، مُكتفياً بما قاله عنها جوزيه: “الكاتب يكتب بقلمه أدباً محلّيّاً، الأدب العالمي يبدعه المترجمون”، فلنتركها إذن، لسانحةٍ أُخرى، ولِم لا؟!.
-2-
دعوني أُضيف: لقد اكتشف خوسيه ساراماغو أنّ (أسلوبه الكتابي “التقليدي” لا يعكس رؤيته للعالم، فقرر أن “يحرق” مسودات روايته الأولى، ويعيد كتابتها بطريقته الخاصّة، بدمج أصوات الشخصيات فى جُمل طويلة، وبدون استخدام علامات ترقيم تقليدية”)…إلخ.
-3-
باختصار شديد – آمل أن لا يكون مُخلّاً، أو مبتوراً، أو “مبتذلاً” – فإنّ كاتبنا خوسيه، يرى “أنّ كل كتابة، هي نقلٌ لشيء ما إلى شيء آخر”… وهذا ما أُريد أن أنبّه إليه، أو “أزعم/ أدّعي” أنّني أحاول أن أنبّه إليه – اليوم، في/ وعن – سؤال الكتابة؟!… وهذه دعوةً منّي لقراءة
-4-
المحبّة – وهي انحياز- تجعلني أرفع الصوت عالياً بالقول: “صدق صاحب (الطوف الحجري) خوسيه سراماغو، كما صدق قبله، ومن بعده، الكثيرون / ات من أعظم وأروع الكُتّاب/ الكاتبات المبدعين/ات، ممّن يحملون / يحملن عبء ومسؤولية وهموم الكتابة بصورة عامّة، والكتابة الإبداعية، بصورةٍ خاصّة، والكتابة الصحفية بصورة أكثر خصوصية، ويبدو أننّا “على الدرب، سائرون”، فالكتابة، والكتابة الصحفية – بلا شك – عملية صعبة، ومن المسؤوليات الكبرى”، ومع ذلك، سنظل نخوض غمارها، وهذا حديث يطول! “.
-5-
بلا أدنى شك، فإنّ الكتابة – والكتابة الصحفية – فى أزمنة الحرب، وعن أمكنة “لنزاعات” و”الصراعات” المسلحة – أكاديميّاً، هناك فرق بين المصطلحين – ، ولكن، ليس من أولويات هذا المقال، الخوض فيهما، وهنا، أستطيع أن أقول أنّ الكتابة والكتابة الصحفية في أزمنة الحرب، فى بلدٍ باتّساع وتنوُّع السودان “الفضل”، تكون أكثر صعوبة، لأسباب عديدة منها ما يخص الكاتب/ة، ومنها ما يتعلّق ويرتبط بالمكتوب، وحتماً، ما يرتبط بـ”الجمهور”، وهم/ن المكتوب لهم/ن، وعنهم/ن، وفيهم/ن، وفى هذا، وذاك، حديث يطول، وكتابة، ربّما تكون، بلا حدود، ولا قيود !.
-6-
حتماً، لن نمل الكتابة، ولن نتوقف عن فِعل الكتابة “الفاعِلة”، ولن نمل الحديث عن ضرورة مواصلة الكتابة عن ما يحدث فى وطننا، وما يحدث لشعبنا، أينما نكون، ويكون، وحيثما يكون، ونكون، ولن نمل الدعوة لمواصلة الكتابة الفاعلة، وبلغة أُخرى، الكتابة التي لا تكتفي بـ”وصف” ما يحدث، أو وصف الواقع، أو “شرحه” أو “تفسيره” فقط، إنّما المطلوب هو إنجاز كتابة تساعد فى التغيير، وتسعى للتنوير، وتشجّع، بل، تُحرّض على التثوير، وحتماً التغيير للأفضل، وللأمام، لأجل إسعاد المجتمع، والشعب، والبشرية جمعاء، وفي سبيل كتابة تقود إلى المزيد من الكتابة، وهل من كتابةٍ، تدوم وترتقي وتتجدّد وتُجدّد بغير قراءة ؟!… وهذا سؤال المليون؟!.
-7-
تُرى كم من كاتب/ة، وصحفي/ة يُـ/تُمارس فعل الكتابة دون ممارسة القراءة ؟!. دعونا نتفاكر ونتحاور حول ضرورة ربط الكتابة، بتوأمها القراءة، وكيف تُعزّز إحداهما الأٌخرى، ومتى تُحسِّن الكتابة قراءتنا، ومتى تُحسِّن القراءة كتابتنا، ولننظر بعمق للعلاقة المتبادلة بين الكتابة والقراءة، لأجل انتاج كتابة فاعلة، لا تكتفي بالتفسير، بل، تسعى وتعمل لإِحداث التغيير… ولنذكر دوماً أنّ الكتابة الصحفية المطلوبة، يجب أن تلتزم وتتميّز بالوضوح والإيجاز والدقّة والموضوعية والنزاهة والأمانة، والقدرة الفائقة على نقل المعلومات والأخبار للجمهور بأقصر الطرق، وأسرعها، مع مراعاة الإلتزام الصارم بالقواعد اللغوية والنحوية، والتأكُّد من تحرير النصوص الصحفية، لضمان خُلوّها من الأخطاء، ولتحسين جودتها، لأنّ شرط الجودة، يبقي من أهم شروط الكتابة الصحفية، وفى هذا فليتنافس الصحفيون والصحفيات، في سبيل تحقيق وإنجاز كتابة صحفية فاعلة، ومؤثّرة ومُعلّمة.. فيا صحفيوا وصحفيات السودان انتبهوا؟!.
جرس قبل أخير:
“ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة.. وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.. إنّ الانحياز الفنّي الحقيقي هو: كيف يستطيع الإنسان أن يقول الشيء العميق ببساطة”..((غسّان كنفاني))
جرس أخير:
“إمّا أن تكتب شيئاً يستحق القراءة، أو أن تفعل شيئاً يستحق الكتابة”… ((بنيامين فرانكلين))
(*) كاتب وصحفي