من المدهش أن يظن بعض من يقدمون أنفسهم محللين سياسيين أن زيارة الدكتور كامل إدريس إلى المملكة العربية السعودية يمكن أن تفتح الباب أمام استثمارات كبرى في السودان، سواء في مجالات التعدين أو الزراعة أو إعادة الإعمار. مثل هذا الاعتقاد يعكس قدراً من التوهان وسوء التقدير؛ إذ إن رأس المال لا يطرق أبواب البلدان التي تنهشها الحرب، ولا يقامر بالاستقرار في بيئات غارقة بالاضطرابات السياسية والأمنية.
كيف يمكن للسعودية، أو غيرها من القوى الاقتصادية الكبرى، أن تضخ أموالاً في بلد يعلن قادته جهاراً أنهم مستعدون لخوض الحرب “لمائة عام قادمة”؟ وأي منطق اقتصادي يمكن أن يقبل المجازفة في بلدٍ تنعدم فيه ضمانات الأمن وتتهاوى فيه مؤسسات الدولة تحت وطأة نزاع دموي مفتوح؟
الأمر يتجاوز الحرب نفسها إلى فساد المنظومة القائمة في بورتسودان؛ فالحكومة هناك غارقة حتى أذنيها في شبكات محسوبية وولاءات حزبية ضيقة. والتجارب الدولية تؤكد أن رأس المال الأجنبي لا يعمل في بيئات «نتنة» يختلط فيها القرار السياسي بالمصالح الضيقة والابتزاز المؤسسي، بل يبحث دائماً عن أنظمة حكم مستقرة، شفافة، وقابلة للتنبؤ.
ولكي تبدأ حكومة بورتسودان حديثاً جاداً مع السعودية أو مع أي حكومة أو قطاع خاص دولي، فإنها بحاجة إلى اتخاذ خطوات جذرية تبدأ بوقف الحرب فوراً والانخراط في مفاوضات سياسية حقيقية تفضي إلى تسوية شاملة. يلي ذلك تفكيك التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين وواجهاتها التي ما تزال تهيمن على مفاصل الدولة، وهو ما شددت عليه بيانات “الرباعية الدولية” (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات) التي تُعد الرياض إحدى أعمدتها الرئيسية.
والتجارب القريبة تؤكد الدرس نفسه؛ فليبيا الغنية بالنفط عجزت عن جذب استثمارات كبرى طوال عقد كامل بسبب الفوضى المسلحة، واليمن ظلّت أبوابه موصدة أمام رأس المال الأجنبي رغم وعود إعادة الإعمار الضخمة. فكيف يُنتظر من السودان أن يكون استثناءً وهو غارق في حرب أهلية مفتوحة؟
الطريق واضح؛ وقف الحرب، إطلاق مرحلة انتقالية واسعة القاعدة، ثم الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة تتيح قيام دولة شرعية. من دون ذلك، فإن أي حديث عن استثمارات سعودية أو غيرها في السودان ليس سوى أحلام يقظة، بل خزعبلات سياسية واقتصادية لا تصمد أمام أبسط قواعد المنطق أو حركة رأس المال في العالم.