السراج يضيء ليل السودانيين بظل انعدام كامل للكهرباء

مشاوير - وكالات 

اتجه عدد كبير من السودانيين بعد أن يئسوا من إيجاد حل جذري لمشكلة الإمداد الكهربائي واستقراره، نتيجة تعرض قطاع الكهرباء لدمار كامل جراء الاستهداف المتكرر لمحطات التوليد المختلفة بواسطة مسيرات “الدعم السريع”، فضلاً عن عمليات النهب التي طاولت الكابلات والأسلاك وغيرهما، مما أفقد البلاد أكثر من “70” في المئة من قدرتها الإنتاجية للطاقة الكهربائية، إلى استخدام الفانوس أو “المِسْرَجة” لإضاءة المنازل، وهي عودة إلى الوسائل التقليدية من أجل التكيف مع الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب.

تعمل هذه الفوانيس بالكيروسين أو الغازولين، وتوفر الإضاءة اللازمة في ظل انعدام الكهرباء. ولتشغيله يتم ملء خزان الفانوس بكمية قليلة من الوقود لاستخدامه في التنقل داخل المنزل، لا سيما أن سعره في متناول اليد.

ويقوم الأشخاص قبل حلول الظلام بتنظيف الفانوس وتجديد الشريط السميك بداخله وهو مصدر الإنارة، حتى لا ينفث دخاناً أسود فيحجب النور، إذ يظل مشتعلاً حتى طلوع الفجر.

موقد تقليدي

العودة إلى الوراء

المواطن الماحي عبد العظيم، الذي يقطن في ضاحية الحتانة بأم درمان قال “معظم العائدين إلى الخرطوم عانوا أوضاعاً اقتصادية قاسية في مناطق النزوح، بخاصة معسكرات الإيواء التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وكانوا يأملون في أن تكون عودتهم لمنازلهم التي فروا منها مع اندلاع الحرب بين الجيش و‘الدعم السريع‘ منذ أكثر من عامين، هي نهاية للمعاناة التي ذاقوها طوال هذه الفترة، لكن صدموا بعدم توافر الكهرباء وهو أمر في غاية الصعوبة باعتبارها من عصب الحياة وأساسياتها”.

وأردف عبد العظيم “قليل جداً من المواطنين حل مشكلة الكهرباء بتركيب ألواح الطاقة الشمسية ذات الكلفة العالية، التي يصعب على الغالبية العظمى من سكان الخرطوم الذين أنهكتهم الحرب مادياً، توفيرها، لذلك لجأوا للإنارة التقليدية بواسطة الفانوس بعد أن عجز قطاع الكهرباء في حل هذه المشكلة وعودة التيار الكهربائي بصورة نهائية أو حتى جزئية”.

وأشار المواطن إلى أن “مسألة الإنارة التقليدية باستخدام الفانوس لا تتلاءم مع الواقع الأمني الحالي الذي فرضته الحرب، بخاصة لناحية انتشار الجريمة بصورة مقلقة للغاية، الأمر الذي يستوجب أن تكون هناك إنارة في كل الطرق خلال ساعات الليل الموحش. لكن المؤكد أن استخدام الفانوس في مثل هذه الظروف القاهرة والعصيبة يبعث الإحساس بالطمأنينة والأمان ويسهل التنقل في المنزل والأهم أن سعره في متناول اليد، وفي الحقيقة أن هذه الحرب أرجعتنا أعواماً للوراء وأوجدت واقعاً مؤلماً يصعب التعايش معه”.

موقد تقليدي

ظروف معقدة

من جانبه، أوضح الناشط المجتمعي الزين خضر أن “المواطنين الذين ظلوا عالقين في الخرطوم تحت نيران القصف تعايشوا مع ظروف الحياة المعقدة لأكثر من عامين، بخاصة أن معظمهم يعاني من نقص في الأموال لتسيير حياة أسرته في ظل تعطل الأعمال، وبالتالي لم يكن باستطاعتهم حل معضلة الكهرباء التي أصبحت هاجساً للكثيرين بل باتت السبب الرئيس في عدم عودة كثر من سكان الخرطوم إليها من جديد بعد استعادتها من ‘الدعم السريع‘ أخيراً”.

وتابع خضر “في الوقت الذي يعد فيه الفانوس من المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان في كثير من الدول الإسلامية، إذ إنه يدخل الفرحة والبهجة في المنازل والشوارع والمتاجر، نجد أن سكان القرى والأرياف النائية في السودان يستخدمون الفانوس منذ أمد بعيد ويعتمدون عليه في الذهاب للمساجد والحقول ليلاً، لكن الآن وبسبب الحرب أصبح مصدراً أساسياً في إنارة منازل الخرطوم نتيجة انعدام الكهرباء”.

وزاد في الحديث “في تقديري إن الأوضاع الحالية في البلاد بخاصة المناطق التي دمرتها الحرب، لم تتوقف عند الإنارة بالفانوس فقط، فقد لجأ المواطنون لحلول أخرى اندثرت مع الحداثة والتحضر، إذ ظهرت المكواة المصنوعة من الحديد لكي الملابس واستعمال الموقد بسبب ندرة وغلاء الغاز، الذي يعمل بقليل من الحطب أو الفحم وإشعاله بقليل من الوقود.

ولفت الناشط المجتمعي إلى أن “الدعوات التي ظلت تطلقها الحكومة لعودة سكان العاصمة للمساهمة في أعمال البناء والإعمار، لم تكن في محلها وكان من الأجدى أن تكون بعد إيجاد حل لمشكلة الكهرباء لأنها من أساسيات الحياة ومن دونها يصعب استقرار الإنسان، بخاصة وأنها ترتبط بالنواحي الأمنية والأعمال وغيرها”.

السراج

بدائل مختلفة

في السياق، قال الباحث الاقتصادي عبد الوهاب جمعة “بتقديري أن عجز الدولة في حل أزمة الكهرباء بصورة جذرية قاد مواطني الخرطوم سواء من العالقين أو العائدين إليها بعد سيطرة الجيش عليها أخيراً، للجوء إلى بدائل مختلفة منها ما هو متاح لكنه بدائي كالفانوس، ودفع آخرين إلى الاعتماد على أنظمة الطاقة الشمسية وهم قلة نظراً لكلفتها العالية”.

وأضاف جمعة “من واجبات الدولة إمداد المواطنين بالكهرباء وتشغيل المرافق الحيوية من مستشفيات ومحطات مياه وغيرها من أساسيات استمرار الحياة، إلى جانب فرض رقابة على ألواح الطاقة الشمسية ومراقبة الحدود وإدخالها رسمياً حتى تخضع للفحص، فضلاً عن إعفائها من الرسوم الجمركية كي تصبح متاحة لكافة شرائح المجتمع وعدم إثقال كاهلهم بمزيد من الأعباء”.

واستطرد “للأسف منذ اندلاع هذه الحرب في البلاد ظهر من يتاجر بأزمات المواطنين، لا سيما انتشار ألواح الطاقة الشمسية عشوائياً بواسطة أفراد ليست لديهم خبرة كافية في هذا الشأن، مما يعد أمراً خطيراً يتطلب التعامل معه بحسم حتى لا يتضرر المواطن في ظل هذه الظروف الصعبة”.

ومضى الباحث الاقتصادي يقول “كان متوقعاً أن تغزو أنظمة الطاقة الشمسية البلاد على هذا النحو، إذ كانت موجودة قبل اندلاع الحرب في نطاق محدود بسبب عثرات شهدها قطاع الكهرباء، لكن الإقبال عليها خلال هذه الفترة أدى إلى ارتفاع أسعارها حتى بلغت أرقاماً قياسية لا يستطيع المواطن البسيط تأمينها”.

Exit mobile version