ودالياس.. القيادة التاريخية 2

سامر العمرابي 

 ” ياكمال دحيه سوق معاك سامر ده وأمشوا جيبوا صديق العمدة من البيت هسي وتعالوا ” كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة مساء وبدأ الرواد في الخروج من دار النادي وأيامها كانت تسود حالة من عدم الرضا على مستوى الفريق وحملة الانتقادات الجماهيرية والإعلامية تحاصر المدرب البرازيلي الشاب “ماركو” خاصة عقب الخروج الأفريقي على يد الأهلي المصري عام 2002 بفارق هدف وحيد بعد مباراة تاريخية للمريخ في القلعة الحمراء.

كنت صغيراً في بداياتي .. ذهبت وصديقي دحية عضو دائرة الكرة ( الدائرة الجهنمية) بعربته البوكس الشهيرة وكنت مزهواً بهذا التكليف والثقة وإن كانت قناعتي أن ماركو مدرب شاطر وتربطني به علاقة جيدة وأذكر أن المرحوم صديق العمدة الذي كان مساعدا له ذكر لي بالحرف أن الخبرة التدريبية خذلته وماركو في المباراة الأولى في إستاد القاهرة لأنه كان يجب إجراء تبديل دفاعي بحت عندما نزل نجم الأهلي الكبير وليد صلاح الدين إلى الملعب في منتصف الشوط الثاني وتفريغ لاعب قوي لمراقبته..

المباراة كانت تسير تعادلية سلبيا والمريخ متوازن وجمهور الأهلي منفعل ولكن وليد صلاح الدين بخبراته ومهاراته حسم المباراة بصناعته لهدفي الفوز في عشر دقائق تقريبا وكنت شاهدا على المباراة داخل الملعب. 

الزعيم ودالياس كان إداري صاحب قرار .. لم يضعف أمام الحملة ضد ماركو والتي استمرت طويلا وهو معروف عنه ليس من أنصار تغيير المدربين أثناء الموسم وأيضا ينحاز لخيار المدرب الوطني وقتها والتاريخ يحفظ له بأنه كان أكبر الداعمين للمدرب الكبير منصور رمضان وكان صاحب نصيب مقدر في إنجازاته التاريخية والدوري ( المقفل) ولاننسى أيضا دعمه ومساندته لدقنو وجعفر ضرار وسيد سليم ومحمد عبدالله مازدا وغيرهم.

المهم عندما تملكه إحساس بتراجع الفريق وضرورة التغيير وبعد جلسة نقاش مع بعض أعضاء مجلسه في نجيلة النادي وبعض كبار الأقطاب وبعد خروجهم قرر ودالياس تكليف المدرب الشاب صديق العمدة بالمهمة.

ذهبنا إلى صديق في منزله بأمبدة حمد النيل- لاأذكر كثيرا من التفاصيل ولكن كانت مباراة التاكا كسلا الشهيرة بعد ثلاثة أيام وبعدها وقع الحادث الشهير في قرية ( أمغد) وتغيرت الكثير من الأمور في المريخ.

هذه المباراة قادها صديق العمدة مدربا وخسر المريخ وكان رئيس البعثة هو الراحل العزيز عزالدين الربيع زينة شباب المريخ وأحد أبرز كوادر مجلس ودالياس.. 

وافق الربيع على رئاسة البعثة بعد اجتماع عاصف في منتزه قولدن قيت الذي يملكه عضو المجلس حسن إدريس في الليلة التي سبقت السفر .. وكانت هناك أزمة كبيرة داخل المريخ أعلن معها الربيع رغبته في الاستقالة. 

بعد نقاش مطول تراجع الربيع وتم تكليفه بقيادة البعثة وأكد له ودالياس أنه سيلحق بهم برفقة صديقه الوفي محمد فقيري عدلان أمين الخزينة في اليوم الثاني للوقوف بجانبه وبجانب صديق العمدة ولحضور تكريم الفريق فاروق محمد نور والي كسلا في ذلك الوقت لمجلس ودالياس.

كانت الرحلة الأخيرة والرحيل المر للربيع وللعمدة ولعبداللطيف خازن الأموال الوفي، وفي سفر عبداللطيف أيضا يتجلى مدى حرص ودالياس على أموال المريخ التي كان حريصا عليها مثل أبنائه الياس وعمر وعثمان.

حادثة أمغد تعتبر علامة فارقة في تاريخ النادي تجسدت فيها مواقف عظيمة ومشاهد نادرة كان بطلها الزعيم ودالياس الذي تولى مهمة إصدار التعليمات لإنقاذ البعثة من إمكانية حريق البص أو الاختناق وهو يزحف على أرضية البص بعد وقوع الحادثة وكانت رجله قد تعرضت للكسر ولكنه يقاوم الألم في بسالة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو أول من أشار للكابتن حاتم محمد أحمد بضرورة كسر زجاج النوافذ والخروج وأول من أعلن وفاة الثلاثي الربيع وصديق وعبداللطيف وكان يظن أن فقيري أيضا مات وذلك لفظاعة إصابته وكثافة الدماء في وجهه.

كان ودالياس يتعامل مع أعضاء مجلسه الكبار اللواء فيصل محمد عبدالله والدكتور محجوب صديق وشيخ العرب ضقل وعمر بوب ومحمود عبدالمنعم بقدرهم الكبير وكان يعامل شباب المجلس بروح أبوية صادقة ولغة حاسمة في بعض الأحيان لبتر الخلاف ومعالجة الأخطاء وإعدادهم للمستقبل ولذلك كان من أكثر مجالس المريخ إنسجاماً وإنجازاً على الصعيد المحلي محققاً ثلاثية الدوري على التوالي فكتبت الصحف الحمراء ” قدله يا أبوالياس حافي حالق” .

بعد الحادثة وسفر الثلاثي ودالياس وفقيري وعادل أبوجريشة للعلاج في جدة برعاية كريمة من الأخ الحبيب جمال الوالي بصفته مالك شركة أفراس للنقل، سادت حالة من الحزن وعدم الاستقرار الفني والنفسي في النادي ومجتمع المريخ وارتفعت الأصوات بضرورة التغيير خاصة وأن المجلس تصدع بموت وإصابة أكبر داعميه، ولكن الزعيم ودالياس الذي كان يحمل مشعل أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية كان يرفض فكرة حل المجلس وتعيين مجلس جديد وله في ذلك صولات وجولات في مواجهة السلطة..

الظروف كانت أقوى من ودالياس الذي لم يكن يغادر منزله فجاء مجلس جمال الوالي الأول ويومها قال الزعيم قولته الشهيرة ( لن نوالي غير الوالي) لأنه كان غاضبا من بعض زملائه الذين يعتقد بأنهم تآمروا عليه بمعاونة بعض خصومه التاريخيين في المريخ ولكنه كان يعرف قدر ” الوالي” ويحفظ له الجميل خاصة وأن جمال بأدبه الجم وتواضعه المعروف وتقديره للكبار قد زاره في منزله بعد ساعات من تعيينه رئيسا طالباً منه الإذن برئاسة المريخ ثم قام بتعيينه لاحقاً رئيساً لمجلس الشورى والذي ظل رئيساً له حتى وفاته.

وأذكر أن ودالياس كان أول الحاضرين إلى إستاد المريخ في ذلك الصباح برفقة إبنه الياس عندما بدأت الآليات في هدم المقصورة القديمة وهو يتوكأ على عصاه الطبية ويقدم بيده اليمنى للوالي أول تبرع ومساهمة في (ثورة المنشآت) التي أطلقها جمال الوالي بشيك مصرفي بمبلغ خمسة ملايين جنيه وهتف بصوت عال (لن نوالي إلا الوالي) في حضور الكثير من الشخصيات المريخية ثم غادر مباشرة ، فهو رجل لايعرف الخوف طريقاُ إلى قلبه ولا تتبدل مواقفه وقناعاته مهما كان.. لايعرف اللون الرمادي ويعشق المواجهة.. رأيه واحد لايعرف التلون أو التنازل ولايرهن قراره لمساومة في المريخ.

 هذا غيض من فيض الزعيم ودالياس الذي أعرفه جيدا وعاشرته طويلا .. والدموع ليست قطرات ولكنها كلمات!!

 

ختام وسلام

محمد الياس محجوب .. تاريخ ومواقف.

Exit mobile version