أسر سودانية تتوسد العراء بعد اجتياح الفيضان منازلها

مشاوير - وكالات

قبل أن يتمكن السودانيون من تجاوز الأوضاع الإنسانية والمعيشية المتردية وأخطار الأوبئة الفتاكة، طرقت الفيضانات أبواب العاصمة الخرطوم وعدداً من الولايات لتضاعف القلق والهموم، وتضع مناطق عدة في مرمى خطر الغرق، فضلاً عن تزايد المخاوف من الكوارث البيئية والصحية، وكذلك الخسائر والأضرار البشرية والمادية.

الخرطوم باتت على حافة الفيضان بعد ارتفاع المناسيب في جميع ضفاف النيل وبلوغ مستوى تصريف خزان جبل أولياء أكثر من 130 مليون متر مكعب في اليوم، وتجاوز إيراد النيل الأزرق 730 مليون متر مكعب في اليوم، وبدأت المياه بالفعل بالتدفق داخل أحياء جنوب العاصمة وشمالها، بخاصة مناطق الكلاكلة والشقيلاب وجبل أولياء، فضلاً عن توتي والمقرن وأبوروف، وتهديد آلاف الأسر في مدينة بحري.

اثار الفيضان

تحذيرات وأخطار

ودعت وزارة الري والموارد المائية السودانية جميع المواطنين على ضفاف النيل إلى إجراء ما يلزم لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم، وأكدت الوزارة عبر صفحتها على “فيسبوك” استمرار ارتفاع المناسيب في جميع ضفاف النيل خلال هذا الأسبوع، مشيرة إلى “انخفاض إيراد النيل الأزرق إلى 699 مليون متر مكعب في اليوم، وخفض تصريف سد الروصيرص إلى 613”.

وأفادت الوزارة بأن تصريف سد سنار وصل إلى 688 مليون متر مكعب في اليوم، وتصريف جبل أولياء تجاوز 130، وتصريف سد خشم القربة تجاوز 120 مليون متر مكعب في اليوم، وتصريف سد مروي تجاوز 730″.

وأكدت أن هناك محطات وولايات وأنهاراً بلغت منسوب الفيضان، وهي محطات ود العيس بمدينة سنجة والخرطوم وود مدني وشندي وعطبرة وبربر وجبل أولياء، إضافة إلى ولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والنيل الأبيض”.

اثار الفيضان

إجراءات احترازية

وسط هذه الأجواء، قالت الإدارة العامة للدفاع المدني في السودان إن “الوضع مستقر في محابس النيلين الأزرق والأبيض، وتحسباً لأي طارئ قد يحدث، نشرنا ارتكازات في مناطق الهشاشة وحدثت بعض الكسورات جرت معالجتها”.

وأشارت إلى أن “هناك مناطق محاصرة بالمياه في الريف الجنوبي بالخرطوم، إضافة إلى أحياء أخرى في العاصمة، بخاصة الكلاكلة والعزوزاب وتوتي وود رملي، لكن الأوضاع ضمنها تحت السيطرة، كما أن المياه غمرت مساحات واسعة من المزارع ويجري حصر الأضرار”.

وأوضحت الإدارة العامة للدفاع المدني في السودان أنه “على رغم تدفقات المياه نتيجة الفيضان لا توجد حالات وفاة حتى الآن، وناشدت المواطنين الابتعاد من مجاري الأنهار والتعاون مع فرق الإنقاذ”.

في حين أشار تقرير طوارئ الخريف الصادر عن مركز عمليات الطوارئ بوزارة الصحة السودانية إلى تأثر ثلاث ولايات، وهي الجزيرة والشمالية والنيل الأبيض بالفيضانات، من بينها 15 محلية، وكذلك تضررت 386 أسرة و1876 فرداً.

وأعلن تقرير الصحة والبيئة والرقابة على الأغذية عن أنشطة عدة، من بينها توزيع الكلور على عدد من الولايات، ونقل 16528 طناً من النفايات، فضلاً عن مكافحة الأطوار المائية داخل المنازل وخارجها والرش والمسح الحشري وتوزيع الناموسيات.

من جانبه وقف المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم بالإنابة كمال عوض الكريم مصطفى على ارتفاع منسوب النيلين الأبيض والأزرق ضمن مناطق الهشاشة في كل من الرميلة والعزوزاب وودعجيب وتوتي، واطمأن علي استقرار مستوي الفيضان في بعض المناطق وتدعيم التروس النيلية في المواقع الخطرة، إضافة إلى المعالجات الجارية في مواقع تسريب مياه الفيضان.

وأكد أن الوضع مستقر حتى الآن ما لم يطرأ تطور جديد، مطالباً المواطنين بالإبلاغ عن أي ارتفاع في مناسيب النيل ضمن مناطق الهشاشة والتنسيق مع المحلية عبر غرفة الطوارئ حتى تتجاوز مرحلة الفيضان.

اثار الفيضان

أضرار ومهددات

مئات الأسر السودانية من سكان الخرطوم ممن شردتهم الفيضانات باتت تتوسد العراء في ظروف إنسانية وصحية غاية في الصعوبة والتردي، ووصف المواطن السوداني حاتم عبادي الذي يسكن منطقة المقرن بالخرطوم الفيضان بغير المسبوق، وتسبب في أضرار بالغة للسكان، لافتاً إلى أن “السلطات لم تتفاعل مع الأوضاع الإنسانية المتردية التي يعيشها مشردو الفيضانات في العاصمة”.

وأضاف أن “حجم الكارثة كبير للغاية هذا العام، ومعدلات الفيضان لم تحدث خلال الأعوام الأخيرة، فخلال ساعات قليلة فقد مواطنون كثر منازلهم، ووجدوا أنفسهم في العراء نتيجة عدم توافر مواد الإيواء وهم الأكثر عرضة للإصابة بحمى الضنك والملاريا”.

وأوضح عبادي أن “المياه تدفقت داخل الأحياء، ولا تزال تحتاج إلى التصريف، وبدأت تتحول إلى مهدد صحي وتتزايد حاجة الناس إلى بطانيات وناموسيات وخيام لمجابهة الكارثة والتحوط من الآثار المترتبة على الفيضانات”.

اثار الفيضان

اجتياح جديد

مع تدهور الموقف في ولاية الخرطوم اجتاح فيضان النيل منطقة ود رملي بشمال مدينة بحري وخلف خسائر فادحة، وباتت جزيرة توتي تواجه شبح الغرق، بخاصة في ظل غياب التدابير الاحترازية التي يتخذها السكان سنوياً لمنع تسلل المياه إلى المنازل والمزارع.

وفي هذا الصدد، يقول المواطن السوداني ناصر التوم إن “المياه غمرت المنازل والمزارع، ولم تجد حتى الآن منفذاً بعد أن تعذر تصريفها، فضلاً عن تزايد أعداد الأسر المشردة في العراء التي تستظل بالمشمعات والخيام القديمة، ولا تزال المياه تحاصرها من كل جانب”.

وطالب التوم السلطات المتخصصة بسرعة توفير المعينات وآليات إنشاء السدود الترابية الواقية، فضلاً عن مضخات سحب المياه من الأحياء والمنازل المجاورة للنيل التي غمرتها مياه الفيضان”.

وتابع أن “كارثة الفيضانات في العاصمة الخرطوم أثارت المخاوف من تفاقم الوضع الإنساني والصحي نتيجة تزامن تدفق المياه مع موجة التفشي الواسع لحمى الضنك والملاريا في الولاية بسبب توالد البعوض الناقل للحميات، في وقت وصلت الإصابات إلى أكثر من 10 آلاف حالة”.

ونوه التوم بأن “العشرات انتظموا في دوريات ليلية لمراقبة حركة المياه وتشييد المصدات الترابية لمنع وصول مزيد من مياه فيضانات النيل إلى أحياء جنوب الخرطوم، بعدما اجتاحت المياه أجزاء كبيرة من الساحات ودخلت بعض المنازل في مناطق الشقيلاب والكلاكلة وجبل أولياء”.

اثار الفيضان

فيضانات الولايات

وذكرت الوزارة عبر بيان أن “مناسيب الأنهر بلغت الفيضانات في ولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والنيل الأبيض”، موضحة أن محطة ود العيس في سنجة بولاية سنار بلغ منسوبها 17.5 متر مقتربة من مرحلة الفيضانات بـ15 سنتيمتراً، فيما بلغ منسوب محطة ود مدني بولاية الجزيرة 19.91 متر، وهو مرحلة الفيضانات، في حين سجل منسوب محطة الخرطوم 17.33 متر، متجاوزاً مرحلة الفيضان التي تبلغ 16.50 متر، في وقت وصل منسوب محطة شندي إلى 17.96 متر، متخطياً منسوب الفيضان الذي يحدث عند 17.60 متر.

وبحسب البيان، فإن منسوب محطة عطبرة وصل إلى 15.66 متر، مقترباً من منسوب الفيضان عند 15.78 متر، فيما بلغ منسوب محطة مروي 18.10 متر، من دون أن يصل إلى مرحلة الفيضان البالغة 19.22 متر، بينما وصل منسوب محطة دنقلا إلى 14.90 متر، إذ يحدث الفيضان عند 15.22 متر.

وتوقع البيان استمرار ارتفاع المناسيب في جميع ضفاف النيل خلال هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن إيراد النيل الأزرق انخفض إلى 633 مليون متر مكعب، كما انخفض تصريف سد الروصيرص إلى 540 مليون متر مكعب، بينما ارتفع تصريف سد سنار إلى 706 ملايين متر مكعب، في حين تجاوز تصريف خزان جبل أولياء 134 مليون متر مكعب، بينما تخطى تصريف سد مروي 750 مليون متر مكعب.

وفي ولاية النيل الأزرق اجتاح فيضان النيل منازل وأحياء سكنية وأراضي زراعية وخلف خسائر فادحة.

وشددت السلطات في ولاية نهر النيل على أهمية متابعة وحدات الإنذار المبكر من الجهات المتخصصة في مؤسسات الري والأرصاد الجوية والصحة لأنها تمنح الفرصة لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحد من آثار الفيضانات قبل وصولها إلى الدرجة الكارثية، ووقف المدير التنفيذي لمحلية شندي خالد عبدالغفار على مواقع الهشاشة على نهر النيل في المدينة وشمال المحلية.

وفي النيل الأبيض وقفت اللجنة العليا لطوارئ الخريف على المعالجات العاجلة التي تمت في الجسور النيلية الواقية بمنطقة الجزيرة أبا بمراجعة ممرات المياه على طول الجسر الواقي في المنطقة.

وفي ولاية الجزيرة غمر فيضان مياه نهر النيل الأزرق المزارع في مناطق ديم المشايخة وأم دلكة وقندال جنوب الإقليم.

وبحسب السلطات السودانية، تضرر ألف و764 فداناً موزعة على 176 مزرعة في منطقة قندال، يستفيد منها أكثر من 238 مزارعاً، وتنتج المنتجات الورقية والمانغو والموالح والموز والخضراوات.

واجتاحت فيضانات النيل الأزرق منطقة الرايات بمحلية سنجة في ولاية سنار، وأعلن الهلال الأحمر السوداني تنفيذ أنشطة عدة في مجال التصدي والتخفيف من حدة الفيضانات في محليات السوكي وأبو حجار وشرق سنار من خلال انتشار المتطوعين في مناطق الخطر.

اثار الفيضان

كوارث بيئية وصحية

على الصعيد نفسه، حذر الطبيب المتخصص في مكافحة الأوبئة مؤمن محمد مكي “من كارثة وأخطار بيئية وصحية جراء المياه الراكدة في الولايات المتأثرة، مما يهدد بانتشار الأوبئة كالإسهال والحمى والنزلات المعوية، وبعض الأمراض المعدية المنقولة عبر المياه، فضلاً عن الأخطار على الحوامل وتعرض كثير من المواطنين الذين فقدوا منازلهم للدغات العقارب والثعابين والحشرات السامة، مطالباً بسرعة التحرك لتصريف مياه الفيضان تفادياً لتلك الأخطار”.

وأشار إلى أن “انعدام البنية التحتية لتصريف المياه في معظم مدن ومناطق البلاد يراكم المياه الراكدة لأيام عدة، مما يجعلها بيئة خصبة لانتشار الأوبئة”.

وطالب مكي بـ”الاعتراف بوجود كارثة صحية وبيئية وإعلان حال الطوارئ وتوجيه كل موازنات الولايات لمعالجة الوضع الصحي والإنساني في المناطق المنكوبة، وفتح الباب واسعاً للمنظمات العالمية والإقليمية والمحلية لتقديم المساعدة”.

 

قصور واستسلام

على نحو متصل، أوضح المتخصص في مجال الجيولوجيا والموارد المائية معاوية الطاهر أن “استسلام الحكومة السودانية للأمر الواقع والاكتفاء بالتحذيرات، كما تفعل حالياً، يعد قصوراً لا يقل فداحة عن التفريط في حقوق السودان المائية الذي يدفع السودان إلى تحمل سلبيات بناء سد النهضة”.

وانتقد الطاهر غياب التخطيط العمراني وحماية ضفاف النيل، وكذلك ضعف استخدام السودان للتقنيات الحديثة مثل الأقمار الاصطناعية والرادارات المتاحة دولياً، واعتماده على بروتوكولات قديمة تفترض أن ذروة الأمطار تنتهي في منتصف سبتمبر، في وقت أثبتت الوقائع أن الأمطار تستمر بغزارة حتى نهاية الشهر”.

وشدد على ضرورة تحديث أنظمة الرصد والإنذار المبكر ووضع خرائط واضحة لمجاري السيول ووقف التوسع العشوائي قرب النيل، كما دعا إلى “تفعيل التعاون الإقليمي بين السودان وإثيوبيا ومصر لإدارة مياه النيل بما يخدم شعوب المنطقة”.

Exit mobile version