لوحة وطنية في نيروبي

نوح آدم هدو

في خضم ما يعيشه السودان من أزمات وحروب وتمزق داخلي، تظل بعض الأحداث تشكل لحظات استثنائية تعيد وجدان الشعوب وتؤكد أن عشق الأوطان لا يزول مهما اشتدت المحن. هذا ما جسدته زيارة فريق الزمالة أم روابة إلى كينيا لخوض مباراة الإياب في بطولة الكونفدرالية الإفريقية، حيث تحولت المناسبة الرياضية إلى تظاهرة وطنية أعادت السودانيين في دول اللوجؤ إلى حضن وطنهم ولو لساعات.

فقد كان الاستقبال الذي حظي به لاعبو الفريق وجهازهم الإداري في نيروبي أشبه بالعرس الوطني؛ إذ تدافع السودانيون لملاقاتهم والاحتفال بهم في منطقة جهوري، ليرون في وجوههم ملامح أمهاتهم وإخوتهم وأحبابهم الذين فرّقت بينهم نيران الحرب. فامتزجت دموع الشوق بمعانقاتٍ صادقة، لتتشكل لوحة إنسانية عبّرت عن أن السوداني، رغم القهر والتشريد والقتل والدمار، ما زال متمسكاً بحب وطنه ووفياً لترابه وأهله.

ولم يقف الأمر عند الاحتفال فحسب، بل امتد إلى تنظيم رحلة جماعية من منطقة “جهوري” إلى ملعب المباراة، حيث تكفّلالشباب بتوفير التذاكر والحافلات لنقل المشجعين، ليتحول الاستاد إلى فضاء يهتف باسم السودان وتصدح أركانه بأناشيد الوطن. كان المشهد أشبه بإعلان حيّ أن السودان، رغم جراحه، ما زال قادراً أن يجمع أبناءه على كلمة واحدة هي: حب الوطن.

وبعد نهاية اللقاء، ورغم فوز الفريق وعدم تأهله إلى المرحلة التالية من البطولة، فعلت دموع اللاعبين والمشجعين، لا حزناً على الخروج من المنافسة، بل فرحاً بالانتصار المعنوي الذي حققوه. وقد تأهلوا فعلياً إلى قلوب أبناء شعبهم، لأنهم جسّدوا صورة السودان الجميل، الحالم، القوي، المتشبث بالحياة والأمل.

إن ما حدث في نيروبي لم يكن مجرد مباراة كرة قدم، بل كان رسالة بليغة للعالم وللسودانيين أنفسهم: أن السودان باقٍ، وأن إنسانه أكبر من أفعال الظالمين والمجرمين، وأقوى من نار الحرب ومآسيها.

وأخيراً، تبقى الدعوة لكل سوداني: لا تسمحوا للقتلة والمفسدين أن يفرقوا صفوفكم أو يمزقوا نسيجكم الاجتماعي. تذكروا أنكم الضحية، وهم الجلاد، وأن قوة السودان الحقيقية تكمن في وحدته واحترام أبنائه لبعضهم البعض.

Exit mobile version