في الوقت الذي ما تزال فيه القارة الإفريقية تُختزل في صور الفقر والصراعات، هناك إفريقيا أخرى تنهض بالكلمة، وبالصوت، وبالضوء المنبعث من الكاميرا. قارة تصوغ هويتها عبر الأدب والمسرح والسينما والفكر، حيث صار الإبداع مشروعًا للتحرر لا يقل شأنًا عن السياسة أو الاقتصاد.
نوليوود.. مرآة الحياة النيجيرية
في نيجيريا تتوهج “نوليوود” كثاني أكبر صناعة سينما في العالم بعد الهندية؛ بإنتاجٍ يتجاوز 2500 فيلم سنويًا.
هي سينما الواقع الشعبي، تنقل صراعات الطبقات، والدين، والحداثة، بميزانيات محدودة وإبداع لا محدود.
تسهم نوليوود بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفّر مئات الآلاف من الوظائف، لكنها قبل كل شيء أعادت تعريف صورة إفريقيا في الوعي العالمي.
الأدب النيجيري.. حبرٌ من الحرية
من قلب هذه الأرض خرجت أصوات غيّرت وجه الأدب العالمي، مثل: تشينوا أتشيبي بروايته الخالدة «الأشياء تتداعى» التي فضحت تشوّهات الاستعمار، ووولي سوينكا الذي حصد نوبل 1986 ورفع المسرح الإفريقي إلى مرتبة الفكر، وبن أوكري الحالم بـ«الطريق الجائع» الذي فاز بـبوكر 1991، مجسدًا النزعة الصوفية في السرد الإفريقي.
عثمانو سمبين.. ضمير القارة
في السنغال، لم يكن المخرج عثمانو سمبين (Ousmane Sembène) مجرد سينمائي، بل مشروع وعيٍ كامل.
انطلق من الرواية إلى الكاميرا ليجعل السينما “مدرسة الشعب”، حاملاً قضايا الطبقة العاملة والمرأة والهوية.
من «بوروم ساريت» (1963) إلى «زاما» (2004)، جعل سمبين السينما لسانًا للأفارقة ضد التهميش والتبعية الثقافية.
وفي السياق ذاته، برز المفكر شيخ أنتا جوب، الذي أعاد قراءة التاريخ الإفريقي برؤية جذرية، مؤكّدًا أصالة الحضارة الزنجية والنيلية في مواجهة المركزية الأوروبية.
جنوب إفريقيا.. المسرح ضد الأبارتايد
هناك حيث كانت الظلال طويلة، وُلد مسرح المقاومة.
في أعمال جون كاني وأثول فوجارد وجون ماكسويل كوتزي (نوبل 2003)، تحوّل الفن إلى مواجهة فلسفية للأبارتايد، واللغة إلى أداة للتحرر من القهر السياسي والعنصري.
لغة إفريقيا الجديدة
من داكار إلى لاجوس، تشكّل موسيقى Afrobeats اليوم لغة الجيل الإفريقي الحديث، تمتزج فيها الجذور بالحداثة، وتعبّر عن إفريقيا واثقةٍ بذاتها.
لقد غدت الجوائز العالمية؛ من غرامي إلى بوكر ونوبل ، اعترافًا بأن القارة السمراء لم تعد “موضوعًا للفن”، بل صانعةً له ومصدّرةً لخيال جديد إلى العالم.
الاقتصاد الثقافي في إفريقيا
لم يعد الإبداع في إفريقيا شأناً نخبوياً، بل قطاعاً اقتصادياً متنامياً. فوفقًا لتقارير اليونسكو، تساهم الصناعات الإبداعية بأكثر من 4% من الناتج القاري، وتشغل ملايين الشباب.
تحتضن القارة اليوم مهرجانات كبرى مثل دكار بينالي للفنون ومهرجان واغادوغو السينمائي (فيسباكو)، ومهرجان كيب تاون للجاز، التي تحولت إلى منصات لتبادل الخبرات والاستثمارات.
هكذا، لم تعد الثقافة في إفريقيا مجرد هوية تُروى، بل رأسمالاً رمزياً واقتصادياً يعيد رسم ملامح النهضة القادمة.