النفي عن المستقبل:
جددت الآلية الرباعية في اجتماعها أمس الجمعة بواشنطن، التزامها بالبيان الوزاري الصادر عنها في الثاني عشر من سبتمبر الماضي، والذي من أهم فقراته علي الإطلاق، إشارة البيان الصريحة الي: “إن مستقبل السودان لا يمكن أن تُمليه الجماعات المتطرفة العنيفة، والتي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها بشكل واضح، والتي أججت نفوذها المزعزع للاستقرار والعنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
فضلا عن تأكيد الرباعية ذاتها في ثنايا نفس البيان بالطبع عزمها علي: “مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية من المنظمات الإرهابية والمتطرفة والظروف التي تسمح لها بالانتشار؛”.
أولويات الوقف الدائم للحرب:
وإلي ذلك كشف مستشار ترامب، مسعد بولس أن اجتماعات واشنطن التي جرت أمس تركزت حول:
الجهود الرامية لتأمين هدنة إنسانية عاجلة.
وتحقيق وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، مع وقف الدعم الخارجي، تمهيدا للمضي قدماً نحو الإنتقالٍ إلى الحكم المدني.
مؤكدا التزام أعضاء الرباعية بالبيان الوزاري الصادر في ( 12 سبتمبر).
إضافة للاتفاق على إنشاء لجنة عمليات مشتركة لتعزيز التنسيق بشأن الأولويات العاجلة.
الجنرال في أضيق من خرم إبرته:
علي أية حال، فكما قلت من قبل إني:
“لا أعرف جنرالا حشر نفسه، في جحر أضيق من خرم إبرته التي يتباهي بها كأداة للحفر، كما فعل هذا الجنرال المغامر “عبدالفتاح البرهان”.
هو جحر مليء في الحقيقة علي ضيقه، بشتي أنواع الهوام، والأفاعي، والعقارب.
إذ كلما إستدار الرجل يمنة فح بوجهه ثعبان عربيد، او تطلع يسارا رأي شوكة عقرب نافرة، أو نظر الي أعلاه وجد مخلب نسر جارح يكاد يتخطفه، أو الي أدناه حيث “الحية الرقطاء” التي يعرفها وتعرفه، كجوع بطنها التي صارت بزوال ملكها خاوية.
من يختبيء خلف من؟:
قلت ذلك، يوم أن قال برهان بقاعدة حطاب العسكرية عن حقيقة هذه الحية الماكرة، التي لعبت برأس الجيش، وأثقلت لسانه بلحن قولها الفج، بعد أن اطبقت علي رقبته بسحرها الذي لا يقاوم، قبل أن تستدير حوله وعليه، تحاصره لثلاثين أو يزيد، بل ربما إلي يومنا هذا.
حيث أعترف برهان في ذلك اليوم بعبء هذه اليد التي أثقلت كاهل جيشه بأوزارها قائلا: ” أقول كلام خاص إلى المؤتمر الوطني، والحركة الاسلامية: ارفعوا يدكم من الجيش، وابعدوا عنه وماتتضاروا وراهو، وياناس المؤتمر الوطني كفاكم 30 سنة، امشوا أدوا الناس فرصة معاكم، وماتعشموا الجيش يرجعكم تاني، وما تعشموا الناس تقيف معاكم تاني”.
ثم مضي برهان الي أن قال: “لن نسمح لأحد أن يختبئ خلف القوات المسلحة، الناس العايزين يضاروا خلف الجيش دا ماعندنا”.
حين ترتفع القدم عن اللغم:
قبل ذلك اليوم، كنت قد صورت مأزق هذا الجنرال، لإحدي الفضائيات المحلية، في أول إسبوع لإنقلاب 25 اكتوبر، بقولي: أن هذا الرجل قد تورط بسوء تقدير وتدبير، في حقل ألغام لا أول له ولا آخر.
بل قلت حينها في العام 2021 قبل بدء الحرب بعامين تقريبا: أن قدم الرجل تدوس بفعل هذا الإنقلاب، لغما لن يسمح لها بالذهاب الي أمام، أو بالرجوع الي الوراء، أو حتي برفع هذه القدم العمياء عن لغم وطأته بليل، دون ثمن كبر أو صغر، لا محالة هي ستدفعه في النهاية طال الزمن أو قصر.
البقاء الي حين السداد:
وأشرت في ذات السياق الي أن الأقدار ستبقي العادين علي الناس، في غيهم سادرين، الي “حين السداد”، الذي يفرون من يومه وساعته ومكانه، ليلاقيهم بالضبط في عين ما يفرون اليه من مكان.
اذ كلما ظن جبار عنيد ان خلاصه في الإكثار من إزهاق الأرواح، وفي المزيد من سفك الدماء، بات هلاكه الذي يهرب منه، أقرب اليه من نجاته، التي يتوهم ان إفراطه في العنف والقتل يقربها اليه، بمظنة القدرة علي خلط الأوراق بالدم والدموع، وباخافة الناس بالذعر والرعب الذي تثيره أية هيجاء.
إنهيار الرباعية ميقات قصاص:
بل قد لا يتذكر الفارون من نوع هذا القصاص، ان من بيده الأعمار قد قال: “قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.
عموما، لا ادري متي وأين سيتم هذا اللقاء المحتوم؟، وبيد من؟، لو أن جهود الرباعية آخر قشة لا يزال بإمكانه التعلق بها، قد إنهارت بالفعل كما يظن البعض؟.
