البرهان ينفي التفاوض مع الدعم وسط تصعيد عسكري في الفاشر وحملة استخباراتية لملاحقة المتعاونين

تقرير - رشا رمزي

تتسارع التطورات السياسية والعسكرية في السودان على نحو يعكس تعقيدات المشهد الميداني وتشابك مساراته الداخلية والإقليمية. ففي مدينة بورتسودان، عقد رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لقاءً مع عدد من قادة حركات سلام دارفور، تطرّق خلاله إلى كواليس المباحثات الجارية بين الوفد السوداني والإدارة الأمريكية في واشنطن، في وقت نفى فيه تمامًا وجود أي تواصل مباشر أو غير مباشر مع قوات الدعم السريع.

أكد البرهان أن المفاوضات الجارية تقتصر على الجانب الأمريكي فقط، مشددًا على أن أي حديث عن تفاوض مع قوات الدعم السريع لا أساس له، بينما تستمر العمليات العسكرية على الأرض بوتيرة متصاعدة. هذا الموقف الحاسم جاء ليبدّد الشائعات التي ربطت بين واشنطن ومبادرات تقارب محتملة بين طرفي الصراع، وليؤكد في الوقت ذاته أن القيادة السودانية تضع الملف الأمني في مقدمة أولوياتها.

مدينة الفاشر

في موازاة ذلك، يشهد التنسيق بين الجيش السوداني وحركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام جوبا استمرارًا واضحًا، إذ تشارك بعض هذه الحركات في العمليات القتالية ضمن القوة المشتركة التي تضم مقاتلين من الجيش والحركات، في إطار ما يوصف بتماسك الجبهة العسكرية الموحدة ضد الدعم السريع. ويرى مراقبون أن لقاء البرهان بقادة الحركات في هذا التوقيت يعكس محاولة لتعزيز الثقة السياسية وضمان بقاء هذه الفصائل ضمن معادلة الدعم العسكري والشرعية الوطنية.

وعلى الصعيد الأمني، أعلن جهاز المخابرات العامة عن فتح تحقيق شامل في أنشطة المتعاونين مع قوات الدعم السريع في مختلف الولايات، في خطوة وصفها محللون بأنها مؤشر على استعادة الدولة لزمام المبادرة الميدانية. ووفقًا لمصادر مطلعة، أُطلقت حملة اعتقالات واسعة شملت أفرادًا يشتبه في تعاونهم مع الدعم السريع، استنادًا إلى إفادات الشهود ومعلومات ميدانية دقيقة. كما دعت السلطات المواطنين إلى الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة أو متعاونين محتملين، مؤكدة أن التعامل سيكون صارمًا مع كل من يثبت تورطه، دون تفرقة أو تساهل.

مدينة الفاشر

وفي ظل هذا الحراك السياسي والأمني، تشهد مدينة الفاشر تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ أشهر. فقد أعلنت لجان المقاومة في المدينة أن الفاشر تتعرض لهجوم واسع النطاق من مختلف المحاور، وسط قصف مكثف وانهيار متزايد في الأوضاع الإنسانية. ووصف بيان اللجان ما يحدث بأنه “خذلان يحيط بالمدينة أكثر من العدو”، في إشارة إلى عجز القوى السياسية والمدنية عن تقديم الدعم الفعلي للمحاصرين.

الجيش السوداني، من جانبه، أعلن عبر الفرقة السادسة مشاة أنه تمكن من صد هجوم عنيف شنته قوات الدعم السريع فجر السبت، مؤكداً تدمير عدد من العربات القتالية والمصفحات، ومقتل العشرات من المهاجمين. غير أن الدعم السريع أصدرت بيانًا معاكسًا بعد ساعات، أعلنت فيه سيطرتها الكاملة على مقر الفرقة السادسة، ووصفت العملية بأنها “تحول نوعي” في مسار الحرب الدائرة في الإقليم.

هذا التناقض بين الروايتين يعكس حجم الحرب الإعلامية الموازية التي تخوضها الأطراف المتصارعة، حيث يسعى كل طرف لتثبيت صورته كمنتصر ميداني وصاحب الشرعية في نظر الداخل والخارج.

الجيش السوداني

 وبينما تؤكد القوات المسلحة استمرارها في الدفاع عن المدينة “بكل تشكيلاتها”، تواصل الدعم السريع الحديث عن تأمين المدنيين وتثبيت السيطرة، في مشهد يعكس تداخل الحقيقة بالدعاية وسط حرب تستنزف البلاد بشرياً واقتصادياً.

ومع تزايد الضغط الإنساني على الفاشر، التي تعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء وانقطاع الخدمات الأساسية، تتصاعد المخاوف من أن تتحول المدينة إلى نقطة انفجار جديدة في الحرب السودانية الممتدة. وبين مفاوضات واشنطن الغامضة وحملات الاعتقال في الداخل، يظل مستقبل السودان معلقاً بين مسارين متناقضين: مسار عسكري يحاول فرض الأمر الواقع، ومسار سياسي يسعى لإقناع العالم بأن الدولة لا تزال قادرة على الإمساك بزمام المبادرة.

إن الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة محاصَرة، بل رمز لمعركة أوسع بين مشروعين: مشروع الدولة ومحاولات تفكيكها. وبين صوت البرهان في بورتسودان وهدير المدافع في دارفور، يظل السؤال الأكبر معلقاً حول قدرة السودان على إنهاء هذه الحرب دون أن يفقد ما تبقى من كيانه الوطني.

Exit mobile version