عادةً ما تكون الحسابات في نظر مشجع كرة القدم بسيطةً، ليست سهلةً، لكنها مفهومةٌ بشكلٍ واضحٍ، تحب فريقك، تكره منافسيك، وعندما يفوز فريقك، يكون ذلك من أجمل المشاعر في العالم، أما عندما يخسر، فسيبدو الذهاب إلى العمل صباح اليوم التالي أصعب قليلاً.
خير من يعرف ذلك الروماني لورينت ريجيكامب، مدرب فريق الكرة الأول بنادي الهلال الذي اختبر حالات الفوز عشرات المرات، فخلال 13 عام، هي مشواره التدريبي، قاد المدرب، الذي احتفل أخيراً بعيد ميلاده الخمسين، 9 فرق في خمس تجارب، خاض 381 مباراة كمدرب، فاز في 200 منها وتعادل في 91 وانهزم في 90، منها ما لم يستمر أكثر من موسمٍ واحدٍ، وفي معظم تجاربه الناجحة، كان الموسم الثاني مختلفاً كلياً عن الأول.
الصعوبة في الحفاظ على النسق العالي أمرٌ، اعتاد عليه ريجيكامب، الذي تأرجح كثيراً بين البداية القوية، ثم التعثر، والرحيل. وخلال الأسابيع الماضية، جعلت الخسارة من سنغيدا التنزاني، في نهائي بطولة سيكافا منتصف ستمبر الماضي، النهاية تبدو قريبةً للغاية.
وقبل نحو أيامٍ، أنقذ الفوز العريض، 4ـ1، الذي حققه الهلال على سيمبا التنزاني ثم على البوليس ذهاباً وإياباً رأس مدربه، إذ كان الخروج المبكر من دوري أبطال أفريقيا سيجعل استمراره محلّ شكٍّ كبيرٍ.
لا يبدو المدرب المتعطش للفوز دائماً طريقه سهلاً وقريباً من تحقيق الإنجازات التي حققها الموسم الماضي الأزرق مع المدرب الكونغولي فلوران، والذي فاز خلاله بالدوري الموريتاني، ودوري النخبة، وكأس السودان، إلى جانب ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا.
لا شيء في هلال ريجيكامب الموسم الجاري، يشبه هلال الموسم الماضي، فهو مختلف كلياً وكل مدرب له طريقته وأسلوبه، وأصوات عدم الرضا التي أسكتتها الانتصارات الأخيرة عادت لتتعالى مجدداً. فلسفة ريجيكامب تعتمد على الخطط التكتيكية المرنة والهجومية، مع التركيز على التنظيم والتنويع في الهجوم، بحيث يتميز بالتكتيكات الهجومية التي قد تشمل تشكيل 2/4/4 أو 2/3/2/3 في مرحلة الهجوم، واستخدام الضغط على المنافس، بالإضافة إلى مرونة تشكيل الدفاع أثناء الهجمة (Rest Defence)، وظهرت أكثر وضوحاً مع الهلال السعودي، يمكن القول إنها نضجت هناك.
في تجربته الأولى مع الهلال، بدأ الدوري السعودي، والدوري الآسيوي بقوةٍ. انتهت عدد من المباريات بأكثر من أربعة أهدافٍ، واستمر هذا حتى ضد فرقٍ أعلى من المتوسط مثل ناساف في أبطال آسيا.
لكن هذا تغير بعد بضعة أشهرٍ. لم يعد الضغط العالي فاعلًا كما كان من قبل، لأن الفرق الدوري درست طريقة الروماني، وابتكرت تكتيكاتٍ مضادةً لمواجهتها. بعد بداية موسمٍ تاريخي، تراجعت النتائج، فخسِر الهلال نهائي دوري أبطال آسيا أمام ويسترن سيدني واندررز الأسترالي، وخسر نهائي كأس ولي العهد أمام أهلي جدة ولم يتعافَ إلا في الموسم التالي.
كان تحوُّل ريجكامب للمنافس التقليدي في دوري الخليج العربي مع نادي الوحدة حدثاً ثورياً، لعبٌ هجومي مكثَّفٌ مبني على نهجٍ جماعي، ومحاولة خلق ضغطٍ كبيرٍ عندما يهاجم الفريق.
ففي الوحدة كان الأمر مختلفاً، ضمِنَ ريجيكامب مكانه بين أساطير كرة القدم هناك بعد أن أعاد صياغة فريقٍ لطالما طاردته ذكريات الماضي، وأيام إسماعيل مطر الأسطورية في التسعينيات.
على أنغام وأهازيج “وحداوي غالي يا نادينا”، حصد ريجيكامب مع الوحدة لقب دوري الخليج العربي بسهولةٍ وكأس السوبر، فاز الروماني بأربعة ألقابٍ، في عامين.
لكن، في 2019 تغيرت الأمور، وتسلَّلت الشكوك. لم يكن زحف الوحدة نحو لقب الدوري، كأس الدولة وكأس السوبر، موضع شكٍ، لكن رحيل محمد الشحي، غير ديناميكيات الفريق بأكمله، ونتيجةً لذلك تكررت قصة الهلال السعودي بحذافيرها. تباطأت التمريرات، وعرِف الخصوم كيف يوقفون طوفان ريجيكامب، لم يكن بعض لاعبوه الجدد متوافقين تماماً مع مبادئه. قررت إدارة النادي حينها أن الحلم لابد أن يتوقف.
توقَّع ريجيكامب أن تكون العودة للسعودية عبر بوابة الأهلي حلاً لمشكلاته، لكن الأمور اختلفت كثيراً، طريقته المندفعة، أثارت اللاعبين ضده، وتسبَّبت في مشادةٍ حادةٍ بينه وبين اللاعبين، فبدا الوضع مستحيلًا، ومع طريقته الصارمة، والإصرار على البناء من الخلف، لم يكن الأمر سهلاً على اللاعبين، حينها ذكرت بعض التقارير في وسائل الإعلام الرومانية أن ريجيكامب استقال، بينما زعمت تقاريرُ أخرى أنه فُصِل. في كل الحالات، رحل دون أن يحقق الكثير.
ثم في الطائي، تكررت القصة ذاتها، لكنْ مع فارس الشمال السعودي، بعد مبارياتٍ عدة قويةٍ، عرِف الخصوم كيف يوقفون فريق ريجيكامب. كان بريكليس شاموسكا، مدرب الفيصلي، أول من أدرك ذلك عندما قال: “مباراتنا ضد الطائي ستكون مرجعاً لجميع الفرق الأخرى”، وسرعان ما توالت العثرات في الدوري، ليرحل بعد ذلك.
كثيراً ما يتساءل المدربون: ماذا تفعل بنموذجك الخاص عندما يكون لاعبوك غير قادرين على تنفيذ ما خططت له؟ ماذا تفعل عندما يمرُّ الفريق بفترة تراجعٍ في مستواه، أو يواجه منافسةً شرسةً من الخصوم؟ المشجع العادي لا تهمه الأجوبة، يريد الفوز فقط، يثني على مدربه عند فوز فريقه، ثم ينتقده بشدةٍ عند الخسارة.
الحُكم على المدربين بناءً على النتائج أسهل بكثيرٍ، هذا ما يحدث دائماً في النهاية، لكن مع ريجيكامب، تبدو الأمور أكثر تعقيداً هل يُنتقد لعدم استعداده للتغيير، أم يُثنى على شجاعته في التمسُّك بمبادئه مهما كلف الأمر؟ أحياناً، لا يكفي وصف عمل الرجل، أو المرأة بالجيد، أو السيئ.
