
لا أحد يُنكر أن للحروب أثاراً سلبية شتى، في تدمير الحياة الإنسانية والتراث الثقافي والإقتصادي والرياضي وكل شئ. هي تعيق التنمية المستدامة والسلام في المجتمعات المتأثرة بها، وحرب السودان ليست بمعزل عن ذلك. فقد توقفت بطولة الدوري الممتاز في موسمها الثالث توالياً وتكاد تقارب الرابع إذا إستمرت أكثر، وقد عانى اللاعبين السودانيين كثيراً جراء هذه الحرب، حالهم كحال الشعب أجمع، إلى أن جاء موسم الهجرة إلى ليبيا.. أدناه نستعرض أيجابيات هجرة اللاعبين السودانيين إلى هناك، من بدايتها إلى مُنتهاها عقب قرار الإتحاد الليبي أمس.
كيف هاجر اللاعبين إلى ليييا؟
في يوم الخميس، الموافق الخامس والعشرين من يناير 2024، أصدر الإتحاد الليبي لكرة القدم، خطاباً ممهوراً بتوقيع رئيس مجلس الإدارة، من 4 فقرات جاء أهم ما فيها : “يسمح لكل نادٍ ليبي في الممتاز أو الدرجات بتسجيل عدد “2” لاعب من حاملي الجنسية السودانية والفلسطينية على أن تتم معاملتهم كلاعبين وطنيين”. هذا القرار كان بداية هجرة اللاعبين إلى ليبيا، خاصة لاعبي الممتاز والإنتقال إلى الأندية المختلفة هناك، بسبب ظروف الحرب، أولاً وانتهاء عقوداتهم مع أنديتهم دون تجديدها ثانياً. فلجأ أغلبهم إلى فسخ العقد من طرفٍ واحد قانونياً، بسبب توقف النشاط وعدم حصولهم على رواتبهم لعدة أشهر.
فحوى القرار الجديد
وأمس السبت قرر الإتحاد الليبي عدم السماح للأجانب في دوري الدرجة الأولى إبتداءً من السنة القادمة، ليتوقف قرار إعتماد الجنسية السودانية والفلسطينية كمحلية في عامه الثاني، بعد أن أقرت لجنة المسابقات في اتحاد الكرة ذلك في 2024، والذي منحت بموجبها الأندية في الدرجات الدنيا والممتاز لاحقاً فرصة ضم 6 لاعبين بدلاً أثنين من دول شمال أفريقيا والسودان وفلسطين بجانب 3 لاعبين أجانب إضافيين من خارج تلك الدول ليكون العدد الأقصى للأجانب المسجلين على قائمة المباراة 9 لاعبين.
تباين آراء الشارع الليبي
تباينت الآراء في الشارع الرياضي الليبي، بعد قرار الإتحاد المفاجئ هذا، فهناك من يراه في سبيل التطوير والإعتماد على اللاعب المحلي، فيما يتسائل البعض، عن كيفية تطور اللاعب المحلي مع عدد الأندية المهول في دوري الدرجة الأولى، من غير الإحتكاك بلاعبين أجانب؟ كما أن القيمة التسويقية للاعبين ستزيد أضعافاً نظراً لكثرة الطلب والعرض وهذا ما لاحظه الجميع هذا الموسم، بعد قرار زيادة أندية الدرجة الأولى، بجانب أن اللاعب المحلي أقل جودة وأكثر سعر من اللاعب الأجنبي، فيما يرى آخرين أن الجانب الإيجابي هو أن الأندية ستعود للإعتماد على الفئات السنية والدعم المُقدم سيكون حكراً على أبناء النادي.
تعطل مصادر الدخل
كرة القدم مهنة مثلها ومثل بقية المهن في الحياة، وهناك لاعبين يمتهنونها بصورة إحترافية في السودان، وبعد نشوب الحرب توقف نشاطهم بصورة تامة، وتوقفت مصادر دخلهم التي يعتمدون عليها بشكلٍ رسمي، فهم الآن يعانون في صمتٍ تام دون أن يدرك أحد تلك المعاناة التي هم فيها، بحيث تقطعت به السبل ويواجهون الآن التشريد وضيق ذات اليد إلى حد الفاقة. يأتي ذلك في ظل صمتٍ تام من قبل إدارات الأندية التي ينتمون لها والتي هي الأخرى تعاني حالها من حالهم، بيد أن الإتحاد السوداني لكرة القدم قد اتخذ الحياد دون أن يحرك ساكناً، والآن بعد قرار الإتحاد الليبي سيعود الذين كانت لهم بارقة أمل، إلى نقطة البداية نقطة المصير المجهول، مع أقرانهم إلى حد المعاناة بلا إستثتاء.
نهاية مسيرة
كرة القدم من أخطر المهن في العالم، ومخاطرها المقصودة ليست في ممارستها، بل في العمر المناسب لآدائها، لأنها ترتبط بفترة عمرية معنية، كما أن أي توقف عن ممارستها لفترة، له مؤثرات بدنية جمة، وهذا ما يحدث الآن مع اللاعبين السودانيين هم يعشون الأمرين : توقف النشاط الرياضي أولاً ثم تمدد الفترة وطول أمد الحرب التي لا يُعرف متى تتوقف؟!. بالتالي يتخوفون كثيراً من فقدان هذه الوظيفة والتي لا يعرف ثُلثي لاعبي كرة القدم في السودان مهنة غيرها.
حلول مؤقتة
ولجأ بعض اللاعبين الذي لا يزالون يتمسكون بأمل توقف الحرب قريباً ممن لم يهاجروا إلى ليببا، والعودة من جديد إلى ممارسة نشاطهم في كرة القدم، لجأوا إلى ممارستها في الحواري والأزقة وإن كانت هذه الطريقة تقليدية وغير إحترافية إلا أنهم لا يُبالون في ذلك، فيما لجأ البعض الآخر إلى التدرب بصورة منفردة في منازلهم وبعض السُوح. ويأمل هؤلاء البقاء في جاهزية تامة لأنهم يدركون بأن أي توقف عن ممارسة النشاط قد يُلقي بظلالٍ سالبةٍ عليهم من نواحي بدنية وفنية لاحقاً، إذا ما عاد النشاط قريباً.
المنتخبات الخاسر الأكبر
بلا أدنى شك، أن أكبر الخاسرين من هذا القرار هو المنتخب الأولمبي والشباب، بحيث لا يقل عدد اللاعبين السودانيين الذي ينشطون في دوريات الدرجة الأولى عن 20 لاعب. ومثّلت لهم تجربة ليبيا فائدة فنية كبيرة في إكتساب مهارات وثقافات جديدة مع مدارس جديدة، فأتاحت عدداً من الخيارات للمنتخب الوطني إذا ما إحتاج لها، وهي خيارات لم تكن متاحة له من قبل، لقِصر إختيار العناصر على ناديي الهلال والمريخ فقط.
كم عدد اللاعبين في الدرجة الأولى؟
لا يعُرف بالضبط عدد اللاعبين السودانيين الذين ينشطون في دوريات الدرجة الأولى بليبيا، لكن بلغ عدد اللاعبين السودانيين بشكلٍ عام في موسم 2024 نحو 23 لاعب في الممتاز والدرجتين الأولى والثانية، وظّل هذا الرقم مرشحاً حتى العام الثاني للزيادة لأن التسجيل في الدرجتين يظل مفتوحاً ومتاحاً عكس الدوري الممتاز ليتضاعف عددهم.
وأبرز اللاعبين السودانيين في دوريات الدرجة الأولى في ليبيا: إبراهيم كولينا، معاذ القوز، محمد هاشم التكت، عمر المصري، هاشم عطا تمبش، عوض طلبة، زرياب حسين، التاج باشري، حسين النور، بشة الصغير، حمزة داؤود، السمؤال ميرغني، خالد النعسان، سيف مرفعين، قرقوش، منن، راموس، دفع الله، عمار الدون، أبيض، إبراهيم محجوب إبراهومة، زاهد حسين ومبارك جياد.