مقالات

بين قوة “العطا” المميتة، ولكمات “ترامب” المذهلة!

عين على الحقيقة 

يقول نائب الرئيس ترامب: “لا نريد مزيدًا من المهام غير المحددة، ولا مزيدًا من النزاعات المفتوحة”.  

فالرئيس ترامب رجل لا يملك وقتًا لا يجني من ورائه شيئًا، قلَّ أو كثر.  

وعلى أي حال، فهو لا يملك كذلك صبرًا على طريق العقوبات الطويل، رغم أن إدارته أعلنت، أمس، عقوبات على سلطة بورتسودان، يفترض أن تدخل حيّز التنفيذ الجمعة القادمة، السادس من يونيو، الذي يصادف تمامًا الذكرى الـ81 لـ”إنزال النورماندي” الذي يرمز لانتصار الحلفاء في “عملية أوفرلورد” خلال الحرب العالمية الثانية.  

وهي العملية التي تُعدّ أكبر غزو بحري في التاريخ.

تأمل ما قاله نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، في حفل تخرج ضباط مشاة البحرية “المارينز”، أول أمس الجمعة، في الأكاديمية البحرية الأميركية بمدينة أناپوليس بولاية ماريلاند، موجّهًا حديثه إلى الضباط الجدد:  

“يجب أن نكون حذرين عندما نقرر توجيه لكمة، لكن عندما نوجه لكمة، يجب أن تكون قوية وقاضية”.

ربما تكون من نوع الضربات التي وصفها الملاكم البريطاني دان حين تلقّى هزيمة سريعة خاطفة من الملاكم الأميركي محمد علي كلاي، قائلًا:  

“لقد كانت أكبر مفاجأة في حياتي، لم أكن أعرف ماذا أفعل، ولم أكن أعرف ماذا أقول؛ لقد كنت مذهولًا”.

وخلال حديثه إلى خريجين سيصبحون ضباطًا في البحرية، استشهد فانس بالأمر الذي أصدره ترامب باستخدام القوة ضد الحوثيين في اليمن، والذي أدى في نهاية المطاف إلى وقفٍ لإطلاق النار، في إطار اتفاق وافقت فيه الجماعة على وقف الهجمات على السفن الأميركية.

وأكد فانس أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، ستختار بحذر وعناية متى تلجأ إلى القوة العسكرية.

المهم، فقد علّق كاميرون هيدسون، الزميل البارز بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، الجرس في رقبة القط تمامًا، حين قال لقناة الجزيرة مباشر، أمس:  

“إن مسؤولين في وزارة الخارجية وأعضاء في الكونغرس أكدوا له شخصيًا صحة المعلومات التي اطّلعوا عليها بشأن استخدام الجيش لأسلحة كيميائية في حربه ضد قوات الدعم السريع، في منطقة بدارفور في يناير الماضي”.

وأضاف هيدسون أن العقوبات التي أصدرتها الخارجية الأميركية بحق الجيش السوداني لم تكن خيارًا سياسيًا على الإطلاق، مؤكدًا أن القرار اتخذته مجموعة صغيرة من خبراء الأسلحة الكيميائية، وهي الجهة المنوط بها مراقبة استخدام هذا النوع من الأسلحة في جميع أنحاء العالم.

وشدّد على أن القرار لا علاقة له بالأوساط السياسية أو الاقتصادية المعنية باتخاذ قرارات روتينية تتعلق بالسودان. 

وجزم بعدم وجود أي تنسيق بين خبراء السلاح الكيميائي الذين اتخذوا القرار، والمسؤولين في الإدارة الأميركية عن ملف السودان.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، قد أعلنت في بيان أن:  

“عقوبات ضد حكومة بورتسودان، تشمل قيودًا على الصادرات الأميركية وخطوط الائتمان الحكومية الأميركية، ستدخل حيّز التنفيذ نهاية هذا الأسبوع”.

ومن جهتها، رفضت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان هذه الخطوة، ووصفت اتهامات واشنطن بأن الجيش استخدم أسلحة كيميائية، بأنها “باطلة وابتزاز سياسي لا يستند إلى أي دليل”.

وقد ربط مراقبون بين هذه الخطوة الأميركية وتصريحات سابقة للفريق ياسر العطا، كان قد كشف فيها عن خطة لاستخدام أنواع من الأسلحة وصفها بأنها “خفية ومميتة”، وبين توصل الولايات المتحدة إلى نتيجة مفادها أن الجيش استخدم بالفعل أسلحة كيميائية في صراعه مع الدعم السريع، العام الماضي وبداية العام الحالي.

وكان العطا قد قال في أحد خطاباته:  

“عندنا عمليات يا إخوانا في كل المناطق في العاصمة، معارك كبيرة وحاسمة، وسنستخدم فيها أكبر قدر يسمح به السيد القائد العام من القوة المميتة، وكذلك أكبر قدر يسمح به من القوة الخفية”.

وهكذا، بين تصريحات العطا عن “القوة الخفية والمميتة”، وبين نتائج خبراء السلاح الكيميائي في واشنطن، لا يبدو أن دخان الاتهام قد تصاعد من فراغ. 

وإذا صحّت الرواية، فإننا لا نقف فقط أمام خرق لقوانين الحرب، بل أمام مفترق أخلاقي وتاريخي، قد يُعيد تعريف طبيعة الصراع في السودان، ويُعمّق خطوط الصدع التي لم تلتئم منذ فجر الاستقلال.

فهل يفتح السادس من يونيو، على وقع “لكمات ترامب” الخاطفة، وخيوط “العطا” الخفية، الباب أمام مساءلة دولية صارمة؟. 

أم نكتشف – كعادتنا – أن في هذا البلد متّسعًا للمرارة أكثر من العدالة، وللجراح أكثر من الحساب؟.  

فالأيام وحدها، هي التي تملك في النهاية مثل هذا الجواب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى