مقالات

بعيون “فولكر”: هل أضحى السودان في كف عفريت؟!  

الجميل الفاضل 

في أحد أكثر حواراته جرأة، جلس فولكر بيرتس، المبعوث الأممي السابق، ليكشف ما لم يكن يُقال علناً. 

لم يكن الرجل يتحدث كدبلوماسي متزن، بل كمن رأى حريقا يسري يلتهم هشيما يابسا، وهو يسمع أزيز ريح قادمة. 

ففي نظر فولكر، السودان لم يعد يقف عند حافة الهاوية فحسب، بل هو يقف الآن مترنحا على كف عفريت مارد، يهتزّ، يتأرجح، في عين العاصفة.

يقول فولكر: “أن جميع المؤشرات تدل علي تفكك الدولة، وان النتيجة المرجحة هي مزيج من التفتت والجمود”.

الانتصارات الموضعية:

مردفا بأن الانتصارات الموضعية هنا او هناك في حرب السودان لا تمثل جوهر المسألة.

هكذا قالها فولكر وكأنه يقرأ من كتاب سطوره سوداء تلتمع على خلفية ملتهبة.  

فكل حديث عن استعادة مدينة هنا أو خسارة أخرى هناك، يري أنه أمر لا يمس جوهر الكارثة.  

ينظر للحرب بأنها ليست حربا تقليدية، يتصور أنها حرب تشظي، تنمو كالأورام، بينما تنهار تحت الأقدام الدولة برمتها ومن داخلها.

حرب أهلية في الطريق:

نعم، يؤكد فولكر أن الوقت لا يعمل لصالح أحد، ويمضي ليقول: في الوقت الحاضر لا تبدو الحرب في طريقها الي النهاية، وأنه في حال طال أمد النزاع، فسيتحول الي حرب أهلية حقيقية، تستقطب مجموعات قبلية واثنية متعددة، قد تقود الي تفكك شامل للبلاد”

في واقع يقول مع كل يوم يمر، بتورط قبائل، وتفتق تحالفات، وتولد صراعات من داخل الصراعات نفسها.  

إنها ليست فقط حرب جيش ودعم سريع، بل هي تطور أخير لحروب متطاولة، تستدعي الآن شياطين التاريخ كلها.

تفكك وجمود:

السودان ينكسر بين أيدينا كفخار.  

مدن تحكمها سلطات أمر واقع تفرضها الضرورة والحاجة، وأخرى تدار من خارجها بقانون القوة، تحت لافتة لا تعترف بمجد سوي للبندقية، بينما مركز هلامي متقزم متقاصر، تتقاذفه المنافي بين بؤس الحواضر الافتراضية وما يسمي بالعواصم الإدارية.  

إنه تفكك بلا إعلان تفكك، وجمود صورة بلا استقرار حالة، السودان الآن جسد مسجّى على طاولة إنعاش، لا يموت فيها ولا يحيا.

العفريت الفارسي:

لكن شبح العفريت الفارسي الصفوي لا يزال يعبث بالخرائط يحركها من طرف خفي، رغم جراحه من جانب الي آخر. 

ليرتفع حاجب فولكر وهو يطالع الروابط بين الإسلاميين السودانيين، والحوثيين في اليمن، وحركة الشباب في الصومال بدعم إيراني وراء الستار، وليس بمحض مصادفة. 

تغير الخرائط:

“الخرائط تغيرت”، يقول فولكر:  

لم تعد هناك حدود واضحة بين الشام والقرن الإفريقي، بين العمائم والعمائر والصحاري، بين الميليشيا والدولة.

جرس إنذار:

لكن السؤال الكبير؟ هل في الأفق مخرج؟  

بيرتس لا يحمل وصفة جاهزة. 

لكنه يرى أن العالم يراقب، وان كان لا يملك خطة واضحة.  

فالكل ينتظر لحظة حسم لا يأتي أو سقوط لا يبدو.

علي أية حال، فإن فولكر لا يطرح تحليلاً باردا، بل يقرع جرس الإنذار.  

ففي رؤيته، يبدو السودان الآن بين براثن قوى إقليمية تتصارع، ونخب داخلية تتنازع، وخرائط تتبدل، وصراعات تتشابك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى