تقارير

السودانيون يواجهون أزمة الغاز بالقطع الجائر للأشجار

مشاوير - وكالات 

لم تقتصر تداعيات الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ اندلاعها في منتصف أبريل 2023، على الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل امتدت لتشمل مساحات شاسعة من الغابات والغطاء الشجري بسبب القطع الجائر، إذ يعد من أخطر الكوارث البيئية التي تهدد البلاد عقوداً قادمة.

المشهد اليومي في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات يتمثل في فؤوس تتهاوى لتسقط أشجاراً يمتد عمرها لمئات السنين، إذ أسهمت في سلامة وصحة النظام البيئي، كونها تغطي أكثر من “55” في المئة من مساحة السودان، لكنها تقلصت أخيراً إلى “10” في المئة، بسبب غياب الرقابة والمحاسبة القانونية في ظل الانشغال بالحرب، مما زاد من القطع العشوائي للأشجار واستخدامها كبدائل للطاقة، وكذلك كمواد بناء في مناطق النزوح الجماعي.

طول أمد الحرب فاقم أوجه حياة المواطنين ودفعهم إلى العودة إلى الأساليب البدائية في طهي الطعام بواسطة أغصان الأشجار نتيجة انعدام الغاز جراء تدمير مصفاة الجيلي بالخرطوم التي كانت تغطي نحو “50” في المئة من الاستهلاك المحلي، وهو ما أدى إلى الانتشار الواسع لتجارة الفحم.

معاناة في الحصول على الغاز

ثروات مهدرة

عماد إبراهيم من سكان مدينة سنار عاصمة ولاية النيل الأزرق، وهو أحد المهتمين بفلاحة البساتين قال إن “الغابات في السودان تتعرض لتعديات بصورة غير مسبوقة، المواطنون خصوصاً الناشطين في تجارة الفحم، فقد شاهدت بأم عيني قيام عشرات المواطنين بقطع الأشجار يومياً بطريقة عشوائية ونقلها في شاحنات بغرض حرقها لإنتاج الفحم”، وتابع قوله “هذا النوع من التجارة أصبح رائجاً خلال فترة الحرب لأنه يحقق مكاسب كبيرة في ظل انعدام غاز الطهي، مما جعل البدائل المتوافرة هي الحطب والفحم النباتي، على رغم أن هذه الممارسات تعتبر سلوكاً مهدداً للبيئة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، لكن لا حياة لمن تنادي، فالحرب قضت على الأخضر واليابس”.

وأضاف إبراهيم “لم تقتصر أسباب قطع الأشجار على إنتاج الفحم فقط بل أسهمت موجات النزوح الجماعي بأن تكون الغابات ملجأ للأسر، لكن بصورة عامة فالوضع الاقتصادي المتردي بسبب استمرار الحرب جعل كثراً يبحثون عن أي مصدر رزق من دون النظر إلى ضرره على الاقتصاد، لذلك حصل تدافع كبير نحو قطع الأشجار بخاصة أن الطلب عليها متزايد”.

وأشار المواطن السوداني إلى أنه “لا تزال أصوات المناشير والفؤوس تسقط أشجاراً عمرها تجاوز مئات السنين، وهو بلا شك أمر محزن لكونه يمثل إهداراً للثروات الطبيعية والإرث التاريخي، لذلك من الضروري تحرك الجهات المتخصصة لوقف هذا القطع الجائر للأشجار وإيجاد حلول لتوفير الغاز، إذ إن كل يوم يمر يضاعف تدهور البيئة وتصبح البلاد عرضة للتغيرات المناخية”.

معاناة في الغاز

ظرف استثنائي

في السياق أوضح حسن عبدالعال وهو أحد أصحاب المخابز بمدينة أم درمان “في تقديري ما يحدث من قطع عشوائي للأشجار في أم درمان وكل بقاع البلاد يعود إلى دوافع متعددة أبرزها العائد المادي، إلى جانب استخدامها مصدراً للطاقة، إذ ظللنا طوال أشهر الحرب نعاني أزمة طاحنة في غاز الطهي، وهو ما قاد أعداداً كبيرة من المواطنين إلى العمل في مجال قطع الأشجار، فالآن جميع المخابز تعتمد على الحطب بدلاً من الغاز”.

وزاد عبدالعال “ما يحدث الآن من قطع للأشجار سببه الحاجة وهو ظرف استثنائي وبالتأكيد مع استقرار الحياة وتوفر الغاز بعد عودة مصفاة الجيلي للعمل سينتهي هذا الأمر (القطع الجائر للأشجار)، ونأمل في أن تعود الرقابة على الغابات للحد من ظاهرة الاحتطاب، وألا تصبح مهنة للبعض”.

الحطب بديل غاز الطبخ

عواقب كارثية

من جانبه أشار الناشط المجتمعي الزين خضر إلى أن “انكماش الغطاء النباتي بسبب الاستنزاف المباشر للغابات من المؤكد سيكون سبباً في تمدد التصحر والجفاف وتآكل التربة، إذ لا يمكن معالجات هذه الآثار عقوداً طويلة في ظل ما تشهده البلاد من ظروف استثنائية تحول في الوقت الحالي دون وضع الغابات ضمن أولويات الدولة”.

وتابع خضر “الغابات أصبحت نمطاً للعيش، إذ يمكن قطع غابة بأكملها في أيام قليلة وهذا ما حدث في غابات السنط غرب الخرطوم من قطع جائر، معلوم أن السودان يمتلك تنوعاً في الأشجار التي تنتشر على نطاق واسع عبر مناطقه ذات البيئات المختلفة، ومن المؤسف أن القطع الجائر طاول الأشجار التي تقف أمام المنازل في الأحياء السكنية والشارع العام”.

ونوه الناشط المجتمعي بأن “الواقع المرير الذي يعيشه السودانيون يتطلب وقفاً عاجلاً للحرب حتى لا يصل حجم الضرر إلى إزالة الغطاء النباتي والمساحات المخضرة بصورة تامة، وهو ما ستجني البلاد عواقبه الكارثية”.

معاناة في الحصول على الغاز

أهمية التوعية

في حين قال المتخصص في شؤون البيئة والغابات جلال محمد ياسين إن “خروج مصفاة الجيلي عن الخدمة واستهداف محطات الكهرباء وخطوط النقل وقطع الطرق القومية أدت إلى خلق أزمة حادة في توفير مصادر أساسية في إعداد الطعام وتشغيل المخابز، مما أجبر المواطنين على الاندفاع نحو الغابات للحصول على ضالتهم باعتمادهم على الحطب والفحم كبدائل اضطرارية لطهي الطعام، مما ترتب عليه قطع عشوائي وجائر للأشجار نتج منه تدهور كبير ومقلق في الغطاء الغابي”. 

وأردف أن “الأضرار الناتجة من تدهور البيئة كثيرة من ضمنها تهديد مجرى النيل وروافده لجهة أن الغابات النيلية تمثل حائط صد طبيعياً يحميها من الانجراف، إلى جانب أن الغطاء الشجري يسهم في المحافظة على البيئة الطبيعية للكائنات مثل غابات السنط وتحافظ عليها من الانقراض، فضلاً عن اختلال المناخ المحلي وزيادة معدلات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض التي حصدت أرواح المواطنين بخاصة حمى الضنك والملاريا”.

وأشار المتخصص في شؤون البيئة والغابات إلى أنه “لا بد من توعية المجتمعات بأهمية الأشجار في حماية البيئة وزيادة الإنتاج ومن الضروري إلمامهم بالآثار السلبية لتغيير المناخ، بخاصة أن بعض المناطق أصبحت تعاني الانزلاقات الأرضية، إزاء ذلك يستوجب عدم اتباع ممارسات تضر بالغابات”.

صفوف الغاز

مصدر اقتصادي

على الصعيد نفسه اعتبر الباحث في مجال الدراسات والبحوث العلمية والبيئية طه الطاهر بدوي أن “غياب هيئة الغابات وهجرة كوادرها أكثر من عامين بسبب الحرب كان له الأثر في خسائر فادحة طاولت الغابات بالقطع الجائر والعمل على إزالة الغطاء الشجري سواء في ولاية الخرطوم أو الولايات التي شهدت صراعاً مسلحاً نشطاً في الجزيرة وسنار وكردفان ودارفور وهي تحوي مناطق زاخرة بالغابات والأشجار النادرة، في وقت تعاني البلاد نقصاً حاداً في غاز الطهي وانسيابه في الأسواق كالمعتاد قبل اندلاع الحرب”.

واستطرد بدوي “أيضاً أسهمت العمليات العسكرية في احتراق الغابات وموت الأشجار ويباسها، إذ كانت سهلة المنال للفاعلين الذين شكلوا ضغطاً كبيراً على الغابات حتى في الولايات الآمنة مع احتمالية أن ترتفع بسبب الحرب المستمرة إلى أعلى المستويات، مما يؤدي إلى تحول جزري للطبيعة ومن ثم إحداث التصحر”.

وأوضح الباحث في مجال الدراسات والبحوث العلمية والبيئية أن “الغابات مصدر اقتصادي مهم يجب الانتباه إليه بالعمل الجاد على إعادة هيئة الغابات من أجل الإفساح لمشاريع التنمية من خلال طرق مدروسة، فضلاً عن وجود بدائل لتخفيف الضغط على مصادر الطاقة النباتية، إذ إن تجاهلها يعمق مشكلة الغابات”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى