Uncategorized

أفورقي وأزمات السودان: الواقع والمأمول

فتحي عثمان (*)

ناولني عدد من الأصدقاء خبراً متداولاً عن وقوف الرئيس الارتري على جاهزية واستعداد قوات شرق السودان للمشاركة في الحرب. الخبر منسوب للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة المعروفة كذلك باسم “الأورطة الشرقية” تحت قيادة الأمين داوود. وتضم قوات شرق السودان كذلك مؤتمر البجا (موسى محمد أحمد) وقوات تحرير شرق السودان (إبراهيم دنيا) والحركة الوطنية لشرق السودان (محمد طاهر بيتاي). ويؤكد الخبر أن الرئيس الارتري وضع اللمسات الأخيرة للدفع بهذه القوات للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش السوداني.

إعداد هذه القوات وتدريبها كان يتم ومنذ فترة تحت إشراف الجيش الارتري في معسكر ساوا بغرب البلاد. الأمر برمته ليس جديداً فهو أحد أسباب إبعاد القائم بالأعمال السوداني من اسمرا في شهر يوليو الماضي. وبما أنه هناك قوات تتدرب فمن الطبيعي أن تحين اللحظة المناسبة للدفع بها للحرب؛ والمسألة ليست هي دخولها الحرب من عدمه، بل المسألة هي التي يثيرها ذلك السؤال: لمصلحة من تدخل هذه القوات الحرب؟

في مقال سابق لي أشرت إلى أن الحرب في السودان قد تتحول إلى حرب أهلية شاملة في حال اتساع رقعة المواجهات ووصولها إلى حدود الجوار الشرقية، خاصة ارتريا، وكذلك زيادة عدد الأطراف المشاركة فيها.

أما بخصوص موقف أفورقي من الأزمة في السودان فيجب النظر إليه ضمن منظوره الكلي للبلاد، وليس ضمن تفاعلات الأزمة الراهنة فقط. ففي مقابلة له مع وسائل الاعلام المحلية تعليقاً على حلف دول تجمع صنعاء والذي ضم اثيوبيا والسودان واليمن في ديسمبر 2005 قال أفورقي بأن هذا الحلف موجه ضد ارتريا بلا شك، وهو لا يخيفنا، فعلي عبد الله صالح وملس زيناوي سوف يدفعان ثمن ما يجري في بلديهما من اضطرابات، أم بالبشير فهو “سيضيع ومعه السودان”. من يتذكر هذا القول اليوم قد تأخذه الدهشة مما آلت أحوال القادة المذكورين، ومن قدرة أفورقي على التنبوء الخارق، لكن الحقيقة أكبر من الدهشة؛ فالرجل يتحدث عن مخططات واقعة عاجلاً أم آجلاً، وما يتبقى من الاجتهاد هو تحديد دوره فيها.

لفهم دوافع سياسة أفورقي الخارجية تجاه السودان واثيوبيا بشكل خاص علينا الرجوع أولاً لحقائق الجغرافية السياسية. أفورقي يعرف بأن حكمه محاط بدولتين عملاقتين من ناحية التأثير بسبب الموارد البشرية والطبيعية الهائلة والحدود المشتركة والروابط التاريخية والاجتماعية، وأن هذا لا يبعث على الاطمئنان، بذلك يكون الوضع الأفضل هو بقاء هذين العملاقين في حالة ضعف دائم. فإرتريا، بحسب فهمه، يمكن أن تتحول إلى وجبة دسمة سهلة التناول لأحد العملاقين أو كلاهما معاً.

بوصلة السياسة الخارجية لأفورقي تتجه نحو شمال مغناطيسي ثابت محوره الأول هو البقاء في السلطة مهما كان الثمن، والمحور الثاني هو العلاقات مع اديس ابابا. فحتي يمكن فهم موقف أفورقي من أي مشكلة في القرن الافريقي يجب وضع هذين المؤشرين في الاعتبار. فإذا وقفت اديس ابابا مع طرف ضد آخر في أزمة السودان، فإن أفورقي سيقف، وبلا أدني تردد، مع الطريف النقيض، وبكل السبل المتاحة، وهنا لا تهم مصلحة السودان، بل الطرف المناوئ الذي يعاديه.

سبق لأفورقي، وفقاً لهذه السياسة، أن دخل حرباً ضروساً بالوكالة في الصومال، وذلك بدعمه لحركة المحاكم الإسلامية (والتي يقف على النقيض منها فكراً وعملاً) في حربها ضد القوات الاثيوبية في الصومال حتى انتهي الأمر بفرض عقوبات أمريكية وأممية على ارتريا في عامي 2009 و 2011. فالرجل له باع طويل في حروب الوكالة وأن تدخله في الأزمة في السودان عبر الشرق لا يخرج عن هذه الثوابت مع وضع الاعتبارات للتهديدات لحكمه من شرق السودان ووصول الحرب إليه.

وواهم من يظن هنا بأن تدخل أفورقي في الحرب في السودان يصب، في النهاية، في مصلحة البلاد التي تعصف بها الحرب اليوم.

اللافت للنظر والمثير للشفقة والأسى في آن واحد ليس هو موقف أفورقي، الذي نستطيع المغالبة في فهم أغراضه، بل هو موقف بعض المثقفين في السودان والذين يشعر المواطن الارتري تجاههم بالازدراء لوضعهم أيديهم على يد طاغية وتمجيدهم لدكتاتور يذيق شعبه الواناً من العذاب. الرجل يصب أطناناً من ملح الإذلال على جروح أمته الغائرة، وأن ما يصافحونه ويفرحون بأخذ الصور إلى جانبه إنما يقفون فوق زنازين تئن حجارها قبل ساكنيها؛ ولا يرق لهم سمع ولا يطرف لهم حس وههم يضعون أيديهم في أيدى أعتى جلادي افريقيا.

أما نسبة المعاملة التي يلقاها السودانيين في ارتريا إلى اسياس فذلك حشف وسوء كيلة، فالإرتريون موقفهم تجاه السودان وشعبه سيكون مشرفاً سواء كانوا تحت حكم اسياس أم غيره والتاريخ هو الشاهد.

 فإذا كان في أفورقي خيراً لكان أولى به بلده وشعبه. ومن المستغرب أن تسيل أودية كرمه وعنايته الحادبة لتصل سهول السودان وشعبه يتعطش لنسمه حرية عابرة.

 

(*) كاتب وصحفي ودبلوماسي اريتري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى