الإمام الصادق المهدي .. في تذكر داعية “المحبة” ومواجهة خطاب الكراهية
مشاوير - الزين عثمان
مرة أخرى لن تنتصب الخيام في المنزل الكائن بحي الملازمين الأمدرماني لن يأتي “الأنصار” لتأبين زعيمهم ولن يستدعي السودانيون سيرة رجل في حياتهم ” اسمه الصادق المهدي
في شهر نوفمبر وقبل أعوام اربعة نعى الناعي لأهل السودان إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة والرجل الذي سبق وأن شغل منصب رئيس الوزراء مرتين بالانتخاب الحر في احد مستشفيات العاصمة الإماراتية بسبب تداعيات مرض كورونا ، يومها وفي زمان الإغلاق كان على السودانيين فتح ابواب حزنهم على مصراعيها بسبب رحيل رجل كانوا يحتاجونه من أجل العبور بثورتهم من أجل امساكهم بمستقبل وطن تسوده قيم الحرية و السلام والعدالة .
تزامن رحيل الزعيم السوداني مع حالة استقطاب حاد بين مكونات الإنتقالية المدنية والعسكرية مقرونا ذلك بحالة هيجان للثوار في الشارع يطلبون ضرورة تنفيذ اهداف ثورتهم وقطع الطريق على من يستهدفون ديسمبر . في معادلة الاستقطاب والمواجهة بدا وكأن الأمام هو نقطة التقاء كل هذه المتناقضات والعمود الذي يمنع البناء من السقوط وانه نقطة توازن هذه النزاعات .
بالنسبة للكثيرين فإن غياب الصادق المهدي من المشهد السياسي مهد بشكل كبير طريق العسكر للانقلاب على الوثيقة الدستورية والغاء السلطات المدنية الناتجة عنها ، كما ان انقلاب البرهان وحميدتي في أكتوبر هو الذي انتج التربة التي نمت فيها لاحقاً حرب ابريل المستمرة لاكثر من عام ونصف العام والتي يقدر عدد ضحاياها بما يفوق 65 الف مواطن وفقاً لاحصاءات غير رسمية ، هذا بالاضافة لملايين النازحين ممن اجبرتهم الحرب على مغادرة بيوتهم وما حدث من تدمير للبنية التحتية وتفشي الأوبئة وازمة الغذاء ما جعل العالم يوصف ما يجري في السودان بالكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم.
لكن لا تبدو كارثة السودان الآن مرتبطة فقط بالحرب وتداعياتها الآنية وخسائرها الكارثة هي ما يمكن أن ياتي في الغد القريب وبدأت ملامحه الآن في الأفق حين رحل المهدي قبل سنوات اربع نعاه البعض بقولهم “انهد الآن ركن الحكمة في السودان الكبير” وهو رحيل بدا وكأنه معبر وبشدة عن سوء حظ هذه البلاد ان يغيب ضابط الفعل السياسي في زمن التشاكس فانه أكتملت الآن مقادير طبخة الحرب على نار الرغبة في الامساك بالسلطة المشتعلة وهو ما حدث بالفعل اشتعلت الحرب التي تحرق الآن في السودان كله .
في سودان الحرب وحالة الاستقطاب الحاد بين مكونات البلاد تتابع التحذيرات من خطورة ما يتم تداوله الآن من خطابات تغذي الكراهية بين مكونات البلد الواحد وهي الخطابات الصادرة عن “البلابسة” وهو مصطلح يستخدمه السودانيون لتوصيف دعاة الحرب من الطرفين ناتج عن عبارة “بل بس” وهي التي تقابلها في الطرف الآخر عبارة “لازم تقيف” ..
حسناً جولة في وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون كافية لوضعك في مواجهة صورة ما يجري . خطابات الكراهية بلا انتهاء من يقدمونها يحاولون وضع الحرب التي وصفها قائد الجيش الذي يخوضها في وقت سابق بالعبثية بأنها حرب مجموعات اثنية في مقابل مجموعات اثنية أخرى وهم في سبيل ذلك يحاولون استدعاء الماضي البعيد من معارك عهد الدولة المهدية بين أهل الغرب ودارفور وأهل البحر الشمال . بالنسبة لدعاة الكراهية فإن هذه الحرب هي امتداد طبيعي لما جرى تاريخياً .
خطاب الكراهية يوجد له انصار من أهل الشمال مثلما لديه مناصرون من أهل الغرب وقد يتجاوز هذا البعد نحو ابعاد اخرى حين يطالب البعض الجيش بضرورة توجيه ضربات استباقية لما يطلقون عليهم “الحواضن الاجتماعية للدعم السريع” ..
لكنه في المقابل يجد من يواجهونه بقولهم ” كانت الفرص ضيقة لكن الخرطوم تسعنا لم يضق مكان في السودان بسوداني كان الغريب عن المدينة والقرية محل احتفاء اهلها واستقبالهم ولا يزال الأمر كذلك .
كان النيل عند أهل الغرب سليل الفراديس وشندي عندهم بلد المك الذي حرق الدخيل وديار الشايقية هي ديار مهيرة بت عبود التي ألهبت الفرسان روح الدواس والنشيد هو نشيد الاعتصام نحن حبوبتنا “كنداكة” ،
كانت ولا تزال دارفور عند أهل النيل هي أرض الخير الوفير هي أرض الخليفة وديار البطل علي دينار أداب العاصي، بلد السلاطين هي محمل كسوة الكعبة هي سماحة جبل مرة وأهلها يشبهون عذوبة المياه هناك ،هي أرض دبكة الذي قدم اقتراح ان نكون “دولة حرة مستقلة” هي الجزء المكمل لجمال السودان والمكان الذي اختار السودانيون جميعهم ان يوقعوا عليه بقلم “المحبة”
وفي ذكرى غيابه الرابعة وبلادهم تنتاشها الحرب تحيطها المخاطر من كل جانب يتذكر السودانيون الإمام الصادق المهدي في كونه داعية محبة يستدعون آخر رسائله من فراش المرض والتي ابتدرها بعبارة “الما عندو محبة ما عندو الحبة” يتذكرون وصيته بأن افشوا المحبة بينكم فلم يهدم الاوطان شيء مثلما تفعل الكراهية وخطاباتها سدوا كل الدروب في وجهها فما يجمعكم أكثر من الذي يفرقكم ما لم يقله يومها “لكم في ما قدمته محطة الإذاعة الرواندية أسوة ودليلاً كيف يقتل الناس بعضهم بعضاً بسبب الكراهية ولكم في رواندا الآن اسوة حسنة وحقيقة توصف لكم كيف يمكن للآلام ان تنتج آمالاً عظيمة يمكننا ان ننهض من وسط الركام والحطام، حاربوا الكراهية وخطاباتها فهي أول خطوة في شارع السلام .
ولم يكن مستغرباً ان تكون دعوة احياء ذكرى رحيل الإمام الصادق في مصر تحت شعار ( نداء السلام والتعايش ونبذ خطاب الكراهية) القيم التي عاش المهدي تحت ظلالها.