عند مدخل المدينة الجنوبي لا تزال اللافتة في مكانها “ابتسم أنت في ود مدني” هنا عليك ان تعود للوراء قليلاً في سودان ما قبل الحرب أنت في حضرة مدينة ود مدني عاصمة المشروع الأقدم في القارة الافريقية وعاصمة الثقافة بحسب أهلها والمدينة التي تحتل المرتبة الثانية في السودان بعد الخرطوم .
الآن في ذات المدينة لم يبق من ابتسامة الناس وضحكتهم غير اللافتة التي تذكرهم بالماضي القريب تعيدهم إلى حيث كانت مدني مدينة الحياة التي تحتفي بالحياة والقادمين إليها معاً حيث كانت عروس “المدنية” التي قطعوا عليها الطريق بالانقلاب وأكملوه بالحرب .
يقول محدثي الذي ما زال هناك لم تعد هناك مدني .. ويكمل أنا هنا لانني وآخرون لم نجد طريقاً للخروج وكنا نأمل بان الامر سينتهي اتعلم اننا منذ عام لم نعرف الطريق للكهرباء فقد غادرت المدينة يوم وطأتها اقدام الجنود وحربهم نحن نعيش في ظلام دامس ليس بفعل غياب النور وانما بموت الأمل في دواخل الناس، الشوارع التي كانت تضج بالحياة صارت ميتة أصوات الاطفال تم استبدالها باصوات الرصاص والموت لا مصانع حتى مصانع انتاج “الثلج” توقفت هل على ان أخبرك بأن مجرد حصولك على مياه صالحة للشرب صار أمراً يستوجب الاحتفال !!..
يكمل الرجل الذي نشأ وترعرع في مدني أن تبقى هنا على قيد الحياة انجاز . الموت في كل مكان “السرقة والنهب ” صارت اسلوب حياة السوق الكبير اغلق ابوابه سيارات الأمجاد تم استبدالها بالعربات التي تجرها “الدواب” الحمي هنا تقتل ويقتل معها انعدام العلاج واغلاق المستشفيات .
بعد عام من دخول مدينة ود مدني نادي حرب “العبث” السوداني وفق تعبير قائد الجيش.. لا يزال الناس يواصلون جدلهم مدني سقطت ام باعوها ؟ تجيب سيدة ما اعرفه الآن اننا باعونا للموت دون ان نعرف من قبض الثمن؟! لا شيء يبقى كما كان الجيران غادروا بيوتهم البيوت سكنها أناس آخرون المساجد غاب عنها النداء ،حتى الواح الطاقة تم نهبها السوق صار مجرد اطلال . الاسواق التي تفتح ابوابها في الاحياء اسواق للطوارئ ومضطرون حتى الذين يحصلون على احتياجاتهم منها في الحقيقة هي أسواق لبيع “المنهوبات” والتي يمكن ان تتعرض للنهب فيها دون ان يرمش للناهب جفن لكن لماذا فعلوا بنا وبمدينة مدني ذلك ؟
سؤال السيدة يعيدك لفيديو تم تداوله حين دخول الدعم السريع للمدينة ومغادرة القوات النظامية لها لسيدة اخرى كانت تطرح عليهم السؤال ” انتو كنتو حاجة واحدة ما الذي حدث ؟ ” حسناً لا يزال السؤال يتمدد ويبحث عن اجابته التي تتمحور بين جلب الديمقراطية كما يقول الدعم السريع وبين استعادة كرامة الجيش بحسب قيادات القوات المسلحة والنتيجة الختامية هي موت و نزوح و تشرد و مغادرة الناس لبيوتهم ومغادرة الحياة لمدن كانت تضج بالحياة .
في أجابة على سؤال كيف يعيش الناس في مدني الآن وكيف يحصلون على احتياجاتهم الرئيسية ؟ يجيب أحد المواطنين مشترطاً عدم ذكر اسمه فهو يعلم ان المدني هنا معلق بين تهمتين عند انصار الجيش هو متعاون مع الدعم السريع في تهمة قد تحمله لحبل المشنقة، بينما عند الدعامة “هو استخبارات وفلول ماله وعرضه ودمه حلال ويمكن ان ينفذ فيه الحكم مباشرة من قبل من يستجوبه وهو يحمل السلاح . يضيف لا حياة نحن هنا نقاتل لنبقى على قيد الحياة لا عمل ولا أمن لا مؤسسات للصحة وامراض وتنامي أكوام الأوساخ والأكثر مرارة انه لا قيمة لحياتنا نفسها نحن المدنيين .وحين سألته عن السلطة المدنية التي شكلها قائد قوات الدعم السريع بعد استيلائه على المدينة ضحك واردف : يا عزيزي من عينه حميدتي قائداً للفرقة عاد للجيش وحين استولى على مدني مات الناس وحين عاد ايضاً قتل المواطنين بدم بارد نحن هنا نعيش برحمة الله وبأملنا ان غداً ربما يكون أجمل وفي كل الاحوال نحن لن نرى أسوأ مما رأينا .
حسناً لا يمكنك مغادرة ولاية الجزيرة وعاصمتها مدني وفقاً لقرار ممهور بتوقيع الادارة المدنية والتي حددت شروطاً تسمح من خلالها للمواطنين بالمغادرة ان تكون مغادر من أجل العلاج أو ان تكون مغادرتها بغرض الدراسة أو مسافر وانت تحمل ما يؤكد على انك تشغل وظيفة بالخارج او ان تفعل ذلك لاجل الحج او العمرة غير ذلك فان طريق المغادرة مغلق أمامك وان ارتكازات قوات الدعم السريع ستعيدك من حيث تحركت إن لم يزج بك القائمون عليها في الحبس . وبحسب الاخبار فإن قوات الدعم السريع قامت باغلاق معبر “الربوة” الذي يتخذه المواطنون طريقا لمغادرتهم مدني نحو ولاية سنار التي قام الجيش باستعادتها وقرار الدعم السريع بمنع المواطنين من المغادرة انتهاك جديد لحق الناس في الحركة، لكنه يبدو انتهاكاً أقل حدة لمن ينتهك حق الناس في الحياة كما تفعل قوات الدعم السريع في عموم الجزيرة منذ ان استولت عليها قبل حوالي عام..
لا تزال اللافتة في مكانها “ابتسم انت في ود مدني” لكن حقيقة الاوضاع داخل المدينة تبدو مغايرة تماماً الوجوه تكسوها التكشيرة لا ماء ولا طعام لا علاج لا شيء يدعو للابتسام بل دموع على خدود النساء وقهر على محيا الرجال.. وحقيقة لا يمكن تجاوزها ان الحرب سلبت مدني الجميلة ابتسامتها.