Uncategorized

السودانيون .. حروب متعددة داخل حرب واحدة

مشاوير - الزين عثمان  

لم تكن حرب واحدة تلك التي فرض على السودانيون خوض غمارها منذ انطلاق الرصاصة الأولى في معركة الجيش والدعم السريع صبيحة الخامس عشر من ابريل 2023 , منذ ذلك الصباح و أكثر من 45 مليون نسمة هو العدد التقريبي لسكان السودان وجدوا انفسهم في قلب الحرب وظلامها الممتد . هي حروب متعددة داخل الحرب الواحدة .  

حرب الخروج من الحرب

أول معركة واجهها المدنيون السودانيون يومها كانت هي كيفية الخروج من أرض المعركة وتحديداً من مدينة الخرطوم حيث اشتعلت الحرب وسط الاحياء السكنية وفي قلب الأسواق , ساعتها والجميع يبحث عن طريق للخلاص والابتعاد عن مرمى الموت، خرجت المطالبات بضرورة توفير مسارات آمنة المسارات التي بدا وكأنها اجنبية أكثر منها للمواطنين حيث غادر الاجانب الخرطوم تحت حماية طرفي النزاع ومن مطار وادي سيدنا بينما كان على السودانيين دفع مبالغ طائلة لتأمين درب للخروج ووسيلة له.. حرب المسارات الآمنة لم تنته في الخرطوم وسرعان ما اشتعلت في كل مدينة دخلتها الحرب لاحقاً وفيديوهات مغادرة الناس لمدنهم التي دخلتها الحرب أكبر تأكيد على حرب مغادرة الحرب .  

حرب الكذبات الكبرى

في حرب السودان المستمرة حتى الآن فانه في ظل غياب المعلومات فإن الحقيقة الوحيدة التي يمكن ان تطلق على هذه الحرب هي انها حرب “الكذبات الكبرى” التي يطلقها طرفا النزاع فبعيداً عن الدعاية الحربية بين جلب الديمقراطية والكرامة فإن مناصري الطرفين استطاعوا ان يضخوا في الميديا كذبات لا تنتهي كذبات تم ابتدارها من قول بعضهم ان هذه الحرب ستنتهي بعد ساعات ست فقط لن يكون بعدها دعم سريع ، ومنذ اللحظة الأولى لا تزال الميديا تحتشد بعبارات من شاكلة “البل والجغم” وعلى طريقة استلام المدن وتوجيه الضربات للسيارات والافراد .. ما يؤسف له في هذه الكذبات ان أناساً انطلقوا على اساسها وكانت النتيجة فقدانهم لحياتهم .بسبب تداول المعلومات المغلوطة في هذا الجانب فإن البعض يؤكد ان أول طلقة في حرب السودان هي من قتلت الحقيقة . 

حرب المكان

لم تكن من جغرافيا معينة للحرب السودانية التي اندلعت في الخرطوم وانتشرت بعدها في مناطق ومدن أخرى ولكن حرب المكان المقصودة هنا هي حرب ايجاد مكان آمن وهو ما دفع الناس لمغادرة الخرطوم نحو المدن التي لم تصلها الحرب حيث سكن بعضهم في مدارس واختار آخرون البقاء في الشوارع والميادين واضطر كثيرون لدفع اسعار فلكية للايجار في بيوت وشقق في المدن التي وصلوا اليها وكان عليهم خوض معركة اخرى مع الاستغلاليين في تلك المناطق وهي حرب الاستغلال التي كان عليهم ان يدفعوا فاتورتها ايضاً مع اصحاب العربات التي اوصلتهم ومع التجار في الاسواق وبالطبع مع من يملكون الكاش في الخدمات المصرفية.. لكن حتى الامكنة الجديدة وصلتها الحرب وبدأت معادلة خوض حرب اخرى من اجل مكان جديد بعد ان وصلت الحرب الجزيرة وسنار . 

عليك ان تعلم أن عدد من نزحوا او اختاروا اللجوء بفعل الصراع في السودان بلغ 12 مليون شخص وهي واحدة من أكثر ظواهر اللجوء كارثية بحسب ما اوردته تقارير لمنظمات متخصصة ، بل أكثر من ذلك حين صرح رئيس الوزراء السابق في السودان عبد الله حمدوك محذراً اوروبا من هجمة اللاجيئن السودانيين عليها في مقبل الأيام. حكايات اللجوء السوداني يمكنك ان تتابع تفاصيلها في القاهرة وفي كمبالا وفي جوبا وفي اسمراء وفي اديس أبابا و في انجمينا وفي كل دول الجوار فقد ضاقت بالسودانيين بلادهم وضاقت بهم الحرب واحوالها وعليهم ان يدفعوا فاتورتها الآن 

حرب السفر

والسفر في زمن الحرب قطعة من الجحيم، الجحيم الذي يصبح مضاعفاً في حال انك قررت السفر من منطقة يوجد فيها طرف نزاع نحو منطقة الطرف الآخر انت هنا متهم حتى وان ثبتت براءتك وكل طرف يتهمك بموالاة الطرف الآخر وربما تتعرض للتوقيف.. ربما جحيم السفر يبدو أكثر ما يبدو حين متابعة خبر يتعلق بمقتل مدنيين كانوا يستقلون بصاً سفرياً في طريقهم للخرطوم بواسطة قصف مدفعي وبالطبع في البال جحيم مغادرة السودان عن طريق التهريب نحو ليبيا أو مصر عبر البكاسي حيث مات البعض بالعطش ومات آخرون بالبرد وتحطمت العربات بمجموعات اخرى ما جعل الهروب من جحيم الحرب في حقيقته هو هروب نحو جحيم آخر..  

حرب الجوع

تحذر التقارير المتخصصة من ازمة غذاء في السودان بفعل الحرب ورغم ان الاجهزة الحكومية قللت من هذه التقارير واعتبرتها إحدى ادوات الضغط لتركيع الحكومة من أجل التنازل عن مواقفها فإن الحقيقة تبدو مختلفة تماماً في سودان الحرب مجرد الحصول على وجبة معركة ،الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود لا شيء يحرك التايملاين السوداني ووسائل التواصل الاجتماعي غير الدعوات لدعم “التكايا” وهي وسيلة ابتدرها العالقون في مناطق الحرب لتوفير الطعام لاكبر مجموعة بل ان حتى الناشطين القائمين على امر هذه التكايا يشكون من غياب الدعم وفي الوقت نفسه يشكون من ارتفاع الاسعار في الاسواق والتي وصلت لارقام كارثية.

الحرب التي يصفها الكثيرون بحرب الكذبات تبدو حقيقتها الوحيدة وغير القابلة للنفي بأنها حرب ضد المدنيين السودانيين في كل ربوع بلادهم وانهم وحدهم من دفعوا فاتورتها الباهظة من دمائهم ومن صحتهم دفعوها وهم يغادرون بيوتهم مرغمين ودفعوها وهم داخل بيوتهم حين دخلها الجنود ممارسين لأسلوبهم في الحط من كرامة الناس تأثر بها الناس في الجنينة مثلما تأثر بها الناس في الجزيرة وفي كردفان ولم يكن الشرق بعيداً عنها تأثر بها العاملون في الخدمة المدنية مثلما أثرت على المزارعين والرعاة ودفع الجنود فاتورتها من دمهم وبالطبع أثرت على التجار .  

أكثر من 65 الف قتيل في الخرطوم وحدها وفي احصائية غير رسمية ، وارقام لا يمكن الحصول عليها لغياب المؤسسات التي تقوم بهذا الدور في ولايات أخرى وبيانات تتابع من أهالي الجزيرة بعد أن وصلتها الحرب مذابح لا تحصى ولا تعد في قرى دخلتها الحرب وحولت حياتها الوادعة إلى حياة أخرى، قرى يقول أهلها انهم لم يكونوا يعرفون الطريق نحو اقسام الشرطة بل يخافون من مجرد وجود بوليس وسطهم ليجدوا انفسهم في مواجهة أعتى انواع الأسلحة في مواجهة بشر مهمتهم “القتل” ويا للفاجعة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى