مقالات

لغط “الكيماوي”، وسوء الظن العريض؟! (2)

الجميل الفاضل

شأنها شأن ثور هائج انطلق من عقاله داخل مستودع خزف، صارت الحركة الإسلامية ككل وعل، في حالة من العمى والصدام، تناطح كل شيء.

بعد أن أوقعتها هذه الحرب في فخ استراتيجي مذهل.

 

هي الآن تتحدى العالم وقوانينه، انطلاقًا من مقولة تاريخية جرت مجري المثل، اختلف الرواة حول قائلها: فمنهم من نسبها للإمام علي، ومنهم من قال إنها للشافعي، وآخرون أرجعوها إلى ابن المقفّع، تقول: “من أَمِنَ العقاب، أساء الأدب”.

 

فالدول والمنظومات، كما الأفراد، تأمن العقاب في واحدة من حالتين: أن تتوفر على “فائض قوة” ذاتية راجحة، أو بمظنة أن ضعف خصومها يمنحها فرصة مؤكدة للتفوق عليهم.

 

ولذا، أتصور أن مرور واقعة استخدام الجيش للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في منطقة جبل مرة عام 2016 مرور الكرام، قد عزز شعور قادته بالأمان من أي عقاب.

 

رغم أن منظمة العفو الدولية كانت قد قدمت آنذاك أدلة دامغة توثق استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، في تلك المنطقة.

 

حيث أكدت السيدة تيرانا حسن، مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، أن المنظمة جمعت “أدلة مروعة تشير بقوة إلى الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، بمن فيهم أطفال صغار، بمنطقة جبل مرة في دارفور”.

 

وقال أحد الناجين من تلك الهجمة الكيماوية قبل تسعة سنوات:  

“كان الدخان في البداية أسود، ثم صار أخضر؛ وكانت رائحته كريهة تدعو إلى الغثيان والتقيؤ؛ قبل أن تظهر آثار بشعة على الأجسام”.  

 

وأضاف: “كان الأطفال الرضع يصرخون من الألم وهم يتقيأون دماً حتى يموتوا.

كانت المشاهد التي رأيناها مروعة حقًا”.

 

وعلى أية حال، كلما ركلت هذه الحركة، في مجرى صراعاتها الداخلية الكثيرة، قانونًا من القوانين الدولية، خرج قادتها مزمجرين، يهددون العالم بسحق من يُحرّك مثل هذه القوانين تحت أحذيتهم!.

 

لكن عمومًا، فما من دولة من دول المنطقة استخدم حكامها السلاح الكيماوي في صراعاتهم الداخلية، إلا وجرّ ذلك إلى تدخل دولي مباشر، أياً كان حجمه أو نوعه.

 

وهكذا، فإن ما نراه اليوم ليس سوى نتيجة طبيعية لسياسة الإفلات من العقاب التي بدأت مبكرًا، يوم أن أدار المجتمع الدولي ظهره لضحايا دارفور، وتباطأ في تسليم المخلوع عمر البشير ورفاقه، أحمد هارون، وعبد الرحيم محمد حسين، إلى المحكمة الجنائية الدولية.

 

لقد بعث هذا التباطؤ برسالة خاطئة: أن العدالة يمكن أن تُؤجَّل، وأن الجريمة يمكن أن تُغتفر، وأن من يملك القوة يمكنه أن ينجو حتى من أفظع الجرائم، بما فيها جرائم الإبادة الجماعية، فضلا عن تكرار جرائم استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا.

 

واليوم، حين يعود “الكيماوي” إلى واجهة الحرب، فإن السؤال لا يتعلق فقط بمن استخدمه، بل أيضاً بمن مهد له الطريق، بصمته أو بتراخيه علي الاقل.

 

فمن أَمِنَ العقاب أساء الأدب. 

ومن نجا بالأمس، يعيد الكرة اليوم. 

ومن لم يُحاسَب، سيتجرأ. 

أما من يغضّ الطرف الآن، فسيتحمّل لا محالة قسطه من دم الغد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى