
حين يصبح الجسد وطنًا، والوجع لغة، والحكاية أنثى تمشي على حد السكين.
رواية إيريم ليست سردًا عابرًا لحكاية فتاة وُلدت في العراء، بل هي مرآة صدئة تعكس وجوهَنا الهاربة، وتعيد رسم ملامحنا المنكسرة في شقوق النزوح والتيه. تكتب استيلا قايتانو لا كروائية فقط، بل كامرأة تنبض في حروفها ذاكرة أمة، ودمعة أم، وصوت صرخة لم تجد من يسمعها.
“إيريم” طفلةٌ لا تعرف من العالم سوى طعمه المُرّ، وامرأةٌ يبتلعها صراعٌ بين الجسد والهوية، بين الحب والعار، بين الرغبة في الانتماء والخوف من الاقتراب. في كل فصل، كانت الكلمات أشبه بجمرٍ يشتعل تحت الجلد، لا تحرق فقط، بل توقظ ما كنا نحاول نسيانه.
الرواية لا تسير على خطٍ مستقيم، بل تتلوى كأنها تعكس وجع الطرقات التي مشت فيها اللاجئات، والتي وُلدت فيها الأمهات تحت القصف، وبجانب خيامٍ تنام فيها الأحلام المبتورة.
اللغة آسرة… تأخذك من يدك لتغوص في مجازاتها العميقة، في صورها التي تنزف، في استعاراتها التي تمشي بأقدامٍ دامية على أرضٍ مفخخة بالحزن.
إيريم ليست بطلة، بل سؤال معلّق على باب الحياة:
هل نولد أولًا من أرحام أمهاتنا، أم من جراح أوطاننا؟
هي ليست مجرد رواية عن جنوب السودان، بل عن كل جنوب في هذا العالم، عن كل أنثى وُصمت بالخطيئة فقط لأنها وُجدت.
بكل وجعها وبهائها، هذه الرواية تستحق أن تُقرأ ببطء… لا لتُفهم فقط، بل لتُعاش وتُبكى وتُحترم.
رأيي المتواضع جداً
حين أغلقت آخر صفحة من إيريم، شعرت وكأنني خرجت من غرفةٍ مظلمة كنت فيها أنا المرأة الهاربة، أنا الجسد المصلوب، أنا السؤال الذي لا يملك إجابة. هذه الرواية مست قلبي كأنها تعرفني… تحدثت عن أحلام صغيرة تنمو في ظل الحرب، عن الحب الذي يختنق في الزحام، وعن الكلمة التي تبقى حين يضيع كل شيء.
إنها رواية لا تُقرأ فقط، بل تُترك لتسكن فيك، بصمتها، بعنفها، بجمالها الشاحب… وتظل هناك، كجرحٍ لا يلتئم، لكنه يعلمك كيف تحيا من جديد.
كاتبة مغربية (*)