يجب أن نكون الأمة الأقوى، ولكن في الوقت نفسه، يجب أن نحافظ على حيادنا.. إن مصالح أمريكا لا يمكن حمايتها في حرب أوروبية.. أولويتنا هي الدفاع عن أمريكا، وليس التورط في النزاعات الخارجية (تشارلز ليندبرغ 1940).
سندافع عن حدودنا قبل أن ندافع عن حدود الدول الأخرى.. وسنعيد الوظائف والصناعة إلى أرضنا، ونجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (دونالد ترامب 2016)
الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار في “كتابة شيكات بلا حدود” لدعم النزاع في أوروبا (جيه دي فانس 2022)
أوجد فوز الحزب الجمهوري ثورة جيوسياسية غير مسبوقة منذ انهيار الإتحاد السوفيتي بالعام 1991، ولا يستبعد أن تهدأ منطقة الشرق الاوسط خلال فترة وجيزة، بما في ذلك السودان، تمهيداً لمرحلة جديدة بالإقتصاد العالمي، وتوجه دفاعي يشارك الجميع في تحمل تكاليفه الباهظة، فليست دول الشرق الاوسط ومصالحها بأهم من أوربا.
أن صعود دونالد ترامب للبيت الابيض بفارق كبير عن منافسته التى ترأس الولايات المتحدة بالإنابة حالياً، فرض حالة ترقب وتوتر بالفضاء العام المحلى، حيث معسكر الإقطاعيين الجدد (مناصرو الدعم السريع) يتحضرون للاسوأ، ومزاعم تقارب أمريكا مع سلطات بورتسودان تتسلل لطاولة الحوارات الغير رسمية دون جدولة مسبقة.
أن عودة ترامب لم تفرض تحديات للمجتمع السياسي المهاجر فحسب بل تتسابق الاطراف الإقليمية للملمة الحرب والوصول لتسوية بأسرع ما يمكن ولا تريد دولة حالياً تحمل تكلفة إستمرار الحرب التى سوف تتضاعف بصورة تفوق قدرة إي محور على دفع تكاليفها، إضافة لإرتفاع تكاليف الحماية على أصدقاء أمريكا التقليدين (نفسي – نفسي)، وهذا التوجه مشهور للغاية في سياسة الرجل الدفاعية (عليهم أن يدفعوا).
تتميز سياسية دونالد بكثير من الموضوعية والإثارة بنفس الوقت، وموسومة بالصفقات الحدية والقطعية بنتائجها (جراحة ليزر)، مما يجعل قادة الراي العام في إمتحان قاس كون عملية تطوير موقف تفاوضي جاد ويحظى بإجماع معقول لم يكن من ضمن أولويات التفاعلات السياسية والمدنية، ولن يكون هناك خيار أخر بالقريب سوى صناعته أو التنحي عن الفعل السياسي.
يتوقع معظم المراقبين أن عودة الرجل لسدة الحكم بوعد إنتخابي بصيغة تصفير الحروب حول العالم من صالح السودانيين بصورة أو بأخرى، حيث تتصدر عودة الحياة الطبيعية أجندة معظم السكان، وهذا النهج متقارب للغاية ويشكل بارقة أمل لاولئك الذين تخلى عنهم أبناء جلدتهم وفضلوا الصراعات السياسية التقليدية في إهمال موجع لمسار موكب الشعب المعلم والاستهانة بأولوياتهم وحقهم بالحياة الآمنة والإستقرار.
ويتوقع أن ينصف الوعد الإنتخابي للرئيس الأمريكي السودانيين أكثر من الوعد المهزوز الذى قدمته النخبة السياسية في لندن مؤخراً، وعلى قادة المجتمع الإعتذار للمجتمع عن المواقف السياسية المخزية والقسم بإلتزام جانب المجتمع المحلى وأولوياته والعمل مع المجموعات القاعدية لإستعادة الثقة وعدم إضاعتها مرة آخرى.
لم ولن يكون صعود الرجل برداً وسلاماً على أمراء الحرب الذين توقعوا مكافآت بالسلطة والثروة لابادتهم الشعب السوداني وهجير معظمه وتجويع الجزء الأكبر، ولكن من يتابع السياسات الجمهورية، يعرف أن حملة مطاردات عدلية لن يفلت منها أحد قد بدأت، كون منهجهم بالسياسة الخارجية يعتمد على بناء السلام بأدواتها المعروفة.
لكن الصورة ليست وردية بإمتياز، حيث عملية الإعمار التنموية في مهب الرياح مع تغير أولويات بنود الصرف لدى أصدقاء السودان وحلفاء أمريكا، حيث أوربا مطلوب منها دفعيات في حلف الناتو، وآخرون مطلوب منهم دفعيات ضخمة مقابل الآمن، مما يجعل من المساهمات الدولية المتاحة للتنمية شحيحة للغاية.
أن الثورة الجيوسياسية التى صوت لها الشعب الأمريكي، سوف تفرز تفاعلات دولية أكثر إنصافاً والشعب السوداني أحد المستفيدين منها، وبداية حصاد ثمراتها، إنهاء حرب الـ15 ابريل 2023، ومطاردة الإرهاب الذى طالما سيطر على الدولة وسعى تخريباً بالمجتمع.
السؤال: هل المجتمع المدني والسياسي على إستعداد لتعظيم ثمراتها وتفادي تحدياتها؟
منذر مصطفى (*)
(*) باحث بمعهد السياسات العامة
2024. munzer.ppi.sd@gmail.com