Uncategorized

مقاومة الحرب ب “مضاد” الرغبة في الحياة

مشاوير _ الزين عثمان   

عشرون شهراً انتزعت الحرب من السودانيين حياتهم , انتزع الجنود المدججون بالسلاح منهم ممتلكاتهم وانتزع ما اصطلح على تسميتهم “بالشفشافة” في وسط عبث حرب ابريل الابواب من جدران البيوت بل ان الحرب التي تدور الآن انتزعت السودانيين من بيوتهم انتزاعاً وصاروا معلقين بين توصيف كونهم “لاجئين ” في دول الجوار او “نازحين” داخل حدود وطنهم .  

مع سؤال من الذي أطلق طلقتها الأولى تطرح معارك السودان سؤالاً آخر مفاده هل استطاعت الحرب ان تنتزع من السودانيين رغبتهم في الحياة ؟ 

يجيب على السؤال شيخ ستيني ما زال عالقاً وسط الحرب في مدينة امدرمان التي لا يكاد يمر عليها يوم دون ان يدفن المقيمون فيها ضحايا النزاع أو يستمعون لدوي المدافع “ارهقتنا واتعبتنا لكنها لم تهزم رغبتنا في الحياة بعد” يقول يحكي الرجل عن يوميات الحرب وهو يحتفي بالحياة التي يتقاسمها مع من اجبرتهم الظروف للبقاء وسط نيران القصف وعلى خوض معركة انتزاع حياتهم من وسط ركام الموت بما يشبه الحسم يقول الرجل: نحن تليق بنا وتشبهنا الحياة .. الحياة التي يسرد يوميات احداثها بقوله نحن نعلم انه من الممكن ان يكون هناك “تدوين” لكن ذلك لا يمنعنا من الذهاب للاسواق وللمخابز ولا يجعلنا نحرم انفسنا من متعة الجلوس مع “ستات الشاي” لتناول القهوة وتبادل الحكايات في يوميات الحرب نفسها ويستدعي الرجل مقولة سودانية “حرب مين البتمنعنا العديل والزين” 

“العديل والزين” تنفتح اقواس العبارة لتشرح بانها تعبير محلي للزواج في السودان ورغم غياب الاحصاءات الرسمية الا ان فترة الحرب بدت وكأنها فترة الزواج بالنسبة للسودانيين حيث إنه لا يمكنك الفصل بين هذا الرصاص هو رصاص مواجهات ام رصاص احتفال ب “عريس” اكمل طقوس زواجه في زمن الحرب وأصر على البدايات الجديدة، المفارقة ان تفاصيل الزواج بالغة الصعوبة بدت أكثر سهولة في وقت الحرب ولم يكن اقبال السودانيين على الحياة عبر الزواج محصوراً في مناطق المواجهات فقط بل شقت زغاريد فرحتهم صمت وحزن وكآبة المدارس التي اتخذها البعض دور إيواء مؤقتة في انتظار نهاية الحرب أكمل فيها البعض طقوس زواجهم ومضوا نحو حياتهم الجديدة   

بالباقي والمافيش حتمشي الحياة وبنعيش تقول سيدة لا تزال متمسكة بالبقاء في منزلها إنه ورغم ان الأوضاع بالغة الصعوبة والتعقيد لكننا نستطيع التغلب عليها بالروح السودانية وسرعان ما تفكك مصطلح “الروح السودانية” بقولها انها تقصد باقتسام ما يمتلكونه مع بعض في الحي حيث اعتاد النأس ان يتناولوا طعامهم في “الضراء” وهو مكان يجتمع فيه الرجال بالشوارع وهي احد سلوكيات الحياة الإجتماعية في رمضان وتحديداً لتناول الافطار . ومثلت “التكايا” التي توفر الاطعام للعالقين في مناطق الحرب في ظل اوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة احد اهم الاسلحة التي استخدمها السودانيون في خوض معركة حياتهم وسط الحرب ومثلت “التكايا” ساحات اجتماعية للنقاش حول القضايا المختلفة تكمل ذات السيدة أنه وبالرغم من الحرب فانهن انخرطن في حياتهن المختلفة بشكل اعتيادي فلم تغب “جلسات الانس” وتناول القهوة في جماعات وعبر جدول معروف ومحفوظ، كما انهن لم يتنازلن عن واجباتهن الإجتماعية . لكن ذات السيدة تعود لتردد و بمنتهى الحسرة مع الحرب كل الاشياء فقدت طعمها . 

حسناً طعم الموت وأصوات المدافع التي تدوي وسحب دخان الموت في الأجواء لم تؤثر على اهتمام السودانيين بملاعب النجيل الأخضر ولم تمنعهم متعة متابعة مباريات كرة القدم الشباب ينتهزون فرصة وجود شبكة الهواتف ليعيدون ترتيب تشكيل فرقهم في “الفنتازي” الخاص بالدوري الإنجليزي أسماء امبابي ولامين يامال وفينسوس جينور هالاند ومحمد صلاح تتفوق في تكرارها على اسماء “جلحة وكيكل والبيشي وقجة” قيادات ميدان الحرب وخارطة ترتيب الدوري الاسباني قد تتفوق هنا على خارطة السيطرة في ميادين الحرب.. 

في سودان الحرب ينخرط السودانيون في متابعة كرة القدم يعيشون نشوة الفرح مع منتخبهم لكرة القدم الذي يتصدر مجموعته في تصفيات كاس العالم وانتزع سلفاً بطاقة تأهله لنهائيات الأمم الافريقية يتابعون انتصارات الهلال في دوري ابطال افريقيا ويعاودون جدل هلال مريخ والندية بمشاكساتها ينتظر بعضهم كأس خارجي ويعلم جميعهم ان البطولة الوحيدة التي يمكن تحقيقها الآن هي فوزهم بكاس “السلام” لصالحهم وصالح بلادهم.

“انهم يحسدوننا على اقبالنا على الحياة لذلك نشروا موتهم في وسطنا ويكمل محدثي ان الرد الوحيد عليهم هو المزيد من الأقبال على الحياة لن نجعلهم يهزموننا.. ودون انتظار اكمل الشاب الثلاثيني مشواره نحو احد ظلال الاشجار في وسط الحي الذي يسكنه حيث تجمع كثيرون حول مناضد للعب “الكوتشينة” والضمنة وسط قهقهات لا تنتهي ينتظرون ان يكون حظهم في “اللعب” ومع الورق افضل من حظهم حين صاروا مجرد “لعبة” تحركها النخبة في سعيها من أجل تحقيق المزيد من المكاسب . وإن كان ثمن هذه المكاسب دم شعب لا يزال أهله يرددون وفي الشهر العشرين للحرب نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى