مقالات

قراءة نقدية وتحليلية للنص المسوم “بالجد كفى” للشاعر منعم رحمة

 د. صلاح الدين عثمان

نبذة عن الشاعر:

عبد المنعم رحمة هو كاتب وشاعر وناشط حقوقي سوداني، وُلد عام 1960 في مدينة الحصاحيصا، الواقعة بين الخرطوم وود مدني. برز كشخصية معروفة في الساحة الثقافية السودانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث شارك في العديد من الفعاليات الثقافية في كل من الخرطوم ومدني. 

شغل رحمة عدة مناصب مهمة، منها رئاسة منظمة “سودانا” التي دعمت أعمال المجموعات الفنية والأدبية المهمشة في السودان. كما كان عضوًا في اتحاد الكتاب السودانيين خلال الثمانينيات، وترأس القسم العربي من شبكة خدمة راديو السودان في نيروبي بين عامي 2003 و2005. بالإضافة إلى ذلك، ساهم في تأسيس صحيفة “أجراس الحرية” اليومية، وعمل كمدير إداري لها قبل أن تُغلقها الحكومة قبل يوم واحد من استقلال جنوب السودان. 

بسبب معارضته للأنظمة الديكتاتورية، أُجبر رحمة على المنفى بعد انقلاب عام 1989، وقضى عدة سنوات في كينيا وإثيوبيا، حيث التقى بزوجته الإثيوبية. عاد إلى السودان بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005، ولعب دورًا في تطوير مسرح متنقل لتعزيز الحوار السلمي بين الثقافات المتنوعة في السودان. في عام 2009، تولى منصب المستشار الثقافي لحكومة النيل الأزرق، وأسهم في إنشاء العديد من المهرجانات الثقافية في الدمازين، بالإضافة إلى دوره في تأسيس مركز مالك أجار الثقافي. 

في 2 سبتمبر 2011، اعتُقل رحمة في الدمازين بعد اندلاع القتال بين الجيش السوداني والقوات الموالية للحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال. في 24 نوفمبر 2011، حُكم عليه بالإعدام مع 18 آخرين من أعضاء الحركة دون منحهم حق الدفاع عن أنفسهم، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا ونشاطًا حقوقيًا للمطالبة بوقف تنفيذ الحكم. 

رحمة متزوج من سيدة إثيوبية ولهما ثلاثة أطفال. بعد اعتقاله، لم تتمكن عائلته من التواصل معه، مما زاد من قلقهم على سلامته. 

يُعتبر عبد المنعم رحمة من الأصوات الأدبية البارزة في السودان، حيث جمع بين الإبداع الأدبي والنشاط الحقوقي، وسعى لتعزيز الحوار الثقافي والسلام في بلاده.

*. العنوان ودلالته

يحمل عنوان النص “بالجّد، كَفى” بعدًا احتجاجيًا قويًا، يوحي بالضجر والرفض لحالة معينة. تكرار كلمة “كَفى” يؤكد الشعور بالاستياء والرغبة في التغيير، مما يمنح القارئ انطباعًا بأن النص يأتي في سياق نقدي أو تحريضي تجاه واقع مرير.

*. اللغة والأسلوب

النص مكتوب باللهجة السودانية المحكية، مما يضفي عليه طابعًا حيويًا وواقعياً، ويمنحه نكهة محلية تجعله قريبًا من المتلقي. الأسلوب المستخدم يمتاز بالرمزية والصور الشعرية التي تستند إلى بيئة زراعية ريفية، حيث تتكرر الإشارات إلى “الشمس”، “الجرّف”، “البهايم”، “الوضو”، و”البخور”. هذه الكلمات ليست مجرد توصيفات، بل أدوات فنية تنقل عمق المعاناة والانكسار الذي يحاول النص تصويره.

*. البناء الفني والرمزية

النص يعتمد على الصور المتداخلة والتراكيب المتراكمة، مما يمنحه بنية شعرية تستند إلى التداعي الحر للأفكار والمشاعر. من بين الرموز البارزة:

“قَشّت عِيونك م الشِّعِر”: استعارة توحي بحالة الجفاف العاطفي والفكري، وكأن العيون التي اعتادت على جمال الشعر فقدت قدرتها على الإبصار.

“تَّلقَّى الشّمش / لافّحالها طَرحه”: صورة للشمس وكأنها أنثى تلف رأسها بطرحة، وهو تعبير عن استيقاظ الحياة في الصباح، لكن في سياق النص يبدو وكأنه تصوير للخضوع أو الانكسار.

“تَسَّمِّد الجّرف الكِجِر، راقِد بَوار”: تصوير لحالة الجمود والعقم، حيث الأرض (الجرف) تحتاج إلى إحياء لكنها راقدة بلا فائدة، مما يعكس استعارة عن الإنسان أو المجتمع العاجز عن النهضة.

*. التكرار والتأكيد

يستخدم النص التكرار كأسلوب بلاغي، مثل “بالجّد كَفى” و”مَرقّت تَصّبِّح للعِباد”، مما يعزز التأثير النفسي للكلمات، ويجعلها أشبه بمناجاة أو احتجاج متواصل ضد الواقع.

*. الإيقاع والموسيقى الداخلية

على الرغم من أن النص مكتوب بالنثر، إلا أنه يحمل موسيقى داخلية تتشكل من التوازي الصوتي في بعض الجمل، ومن تكرار الحروف والنبرات القوية، مثل:”المَسفُوفه سّف / المَتفُوفه تّف”: التكرار هنا يعكس تلاعبًا لفظيًا موسيقيًا يمنح النص إيقاعًا يجذب الانتباه.

*. الثيمة المركزية (الموضوع الأساسي

الموضوع الأساسي للنص يبدو وكأنه صرخة احتجاج ضد حالة مجتمعية أو سياسية معينة، حيث يتكرر الإحساس بالخسارة، الجمود، والخنوع. النص يشير إلى واقع متدهور، مليء بالخذلان، لكنه يدعو في الوقت ذاته إلى اليقظة والنهوض عبر جملة “لا بّد تَقُوم”، مما يضفي عليه بعدًا تحفيزيًا رغم نبرته الحزينة.

*. الخاتمة ومعناها

ينتهي النص بتكرار “بالجّد كفى” مع إضافة جديدة “كَفى ما كَفى / يكفِى قَدَح الإنكّفى”، مما يشير إلى أن حالة الصمت أو الخضوع قد تجاوزت حدود الاحتمال. الجملة الأخيرة “و بالجّد كَفى” تأتي كخاتمة حاسمة تلخص كل مشاعر الغضب والرغبة في التغيير.

النص يتميز بأسلوب شعري نثري مفعم بالصور الرمزية واللغة الشعبية، حيث يعكس واقعًا مليئًا بالقهر والجمود، لكنه لا يخلو من دعوة ضمنية للثورة والنهضة. ينجح النص في خلق توتر بين الانكسار والتحريض، مما يجعله نصًا مفتوحًا على تأويلات متعددة، سواء سياسية، اجتماعية، أو حتى نفسية.

 

بالجّد ، كَفى ..

قَشّت عِيونك م الشِّعِر

تَّلقَّى الشّمش

لافّحالها طَرحه

مَرقّت تَصّبِّح للعِباد ..

تَطَّرِّى ضِرعَات البَهَايِّم ، تَطلِقِّن

تَطَايِّب الجَّرِّف السّمِن

الجّرف المَسَتَّف بالحَمِّد ،

تَسَّمِّد الجّرف الكِجِر ،

راقِد بَوار

و كّلَّات عَزِيمتو حويض خَدَار .

مَرقّت تَصّبِّح للعِباد ..

تَقَهوِّج النَاس الهِنا

و فِسراع تَقّوِّت

تَتُورِيب و الحَبِيب

عِرقَ الدّهب ،

قَشّت وِشِّىهّك مِ الحِلِم

و تَّجمِيلو بى مويةّ الوَضو

سَجدّة شُكُر ..

تَطلُق بَخُورك فِى الوَرّق

تَمحى و تَعِيد

و تحسِّبها ..

هَادِى البَلّد

المَسفُوفه سّف

المَتفُوفه تّف

مَرمِيه بّس دُلقَان هِدِم ..

لا بّد تَقُوم

بالجّد كَفى ..

كَفى ما كَفى

يكفِى قَدَح الإنكّفى

الفَاعِندُو ذرَّة إختِشا

و عَملو عَدمَان الصَلِيح ..

و بالجّد كَفى .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى