
في توقيت بالغ الحساسية، عقد الرئيس التركي اجتماعًا أمنيًا طارئًا جمع فيه وزير الدفاع، ورئيس الاستخبارات، ووزير الخارجية، وذلك على خلفية التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران.
لكن خلف هذه التحركات، تكمن قراءة تركية استراتيجية عميقة: أن إسرائيل، وقد أطلقت العنان لهجماتها العابرة للحدود من دون رادع، قد تكون بصدد توسيع بنك أهدافها نحو لاعبين إقليميين آخرين — وتركيا على رأسهم.
فأنقرة لا تنتظر المفاجأة. حيثُ أعلن الرئيس أردوغان أن بلاده بصدد رفع الجاهزية الإنتاجية لصناعاتها الصاروخية، متوسطة وبعيدة المدى، وفق خطة عاجلة ومكثّفة. وقال صراحة: “خلال فترة وجيزة سنصل إلى مرحلة ردع فعلي، وسنمتلك منظومة دفاع وهجوم تجعل من المستحيل على أي طرف في المنطقة أن يجرؤ حتى على استفزاز تركيا.”
يُعترُ هذا موقف استباقي مبني على قراءة واقعية لطبيعة التحولات الأمنية في الشرق الأوسط، حيث لم تعد إسرائيل تُخفي نواياها.
سوابقها تتحدث عنها: اغتيالات في العلن، غارات على بيروت، ضربات في صنعاء، قصف متكرر على سوريا، والآن استهداف مباشر لمنشآت إيرانية استراتيجية، دون مساءلة أو كلفة سياسية دولية.
الاستراتيجية الإسرائيلية الراهنة، كما تفهمها أنقرة، لا تسعى فقط لضمان “أمن إسرائيل كما تدّعي”، بل لإعادة ترسيم خريطة القوة في الشرق الأوسط وفق معادلة واحدة:إما أن تكون تابعًا لها، أو يُعاد تشكيلك حتى لا تعيق التفوق الإسرائيلي ومشروعها الأكبر.
حتى تصريحات نتنياهو في لقاءات مغلقة مع إدارة ترامب في آخر زيارةٍ له؛ لم تكن تخفي هذا الطموح. في أحدها، ألمح نتنياهو إلى أن “قوى الشر في الشرق” يقودها أردوغان. ورغم أن ترامب تجاهل هذا الاتهام العلني لارتباطه الشخصي بأردوغان وضعفه العاطفي تجاه أردوغان كقائدٍ يُقدّره، إلا أن الموقف يختصر بوضوح الطريقة التي تُنظر بها تل أبيب إلى تركيا: خصم جيوسياسي على المدى المتوسط، يجب تطويعه أو تحجيمه ولو كانت عضوًا في حلف شمال الأطلسي ( الناتو).
أمام هذا السياق، تُدرك تركيا أن انتظار الاستهداف المباشر هو مخاطرة استراتيجية، وأن التوازن في الإقليم لا يُحمى بكونها جزء من تكتّل غربي بل بالردع الفعلي.
ولذلك، فإن مسار بناء قوة صاروخية مستقلة وسريعة الجاهزية لا يهدف فقط إلى حماية تركيا، بل إلى كسر نمط الهيمنة الإسرائيلية الأحادية، وفتح صفحة جديدة في ميزان الردع الإقليمي.
فالخلاصة الجيوسياسية واضحة: إذا نجت إسرائيل من تبعات هجماتها على إيران، فستكون الخطوة التالية نحو خصومها التقليديين شرقًا وغربًا — من تركيا، إلى الجزائر، وباكستان؛ بل إلى كل من يملك مشروعًا سياديًا مستقلًا.
ربما ليس هذا العام، وربما لا في العقد المقبل، أو بعد عشرين عاماً؛ لكن اتجاه الاستراتيجية الإسرائيلية واضح… ولغة القوة وحدها هي التي تعيد رسم الحدود.