
بدخول الميكنة الحديثة على الصناعات التقليدية اندثرت بعض المصنوعات و اصبحت راسب ثقاف(عنصر ثقافي قد جُرِّد من وظيفته الأولى ولم يعد يساير التغيّرات التي تشهدها الثقافة) ولكن نحن نتعامل معه كتراث كان يلعب دورا في حياتنا من قبل مثل:
المٓحفضة :
المٓحفضة و تنطق المُفحضة هي محفظة نسائي قديمة يلسنها النساء كبار السن( الحبوبات) تحت الملابس، و وجدت صورة قديمة لعروس تلبس فقط الرحط ومن ضمن ما تتزين من حلى تلبس مخفضة و بالسؤال عنها تقول الراوية كوتش رانيه عبد السلام:” يوضع بداخلها بعض الحروز لحفظ العروس مثل الكمون الاسود”، وربما يوضع حجاب أو ورقة من شيخ، وفعلا كانت العروس قديما تلبس مع حليها في الرقص حجاب يسمى الحجاب الهيكلي.
صناعتها:
تصنع المخفضة من جلد الماعز او الضأن المدبوغ بلديا وتصبغ بلون التفتة البدرة الاحمر بعد حله أو رقه بالماء وللتي تباع في محلات ابو مرين بسوق ام درمان الكبير حيث تكثر اقسام صناعة الجلود بالسوق.
تصنع من قطعتين من الجلد مستطيلتين، الجزء الاول من المحفظة من الداخل ويكون بها بتيتن أو فتحتين لوضع او حفظ النقود خاصة المعدنية و كذلك المفاتيح المهمة مثل مفتاح الصفيحة المِجوز و غيرها.
تطوى القطعتان لتُكفى اي تثني الجنبتين من أسفل للداخل وتخاط بسير رفيع من الجلد في شكل لفقة و يخاط معها قطعة جلد بعرض بوصة تقريبا ليثبت عليها الغطاء الخارجي الذي ينزل من الامام و يدخل فيها ليقفلها.
وتعلق المحفضة فى الرقبة بواسطة سير من القِد اي سير رفيع من الجلد ثم خيط من القيطان الاحمر الذي يستقدم من مصر و يباع ايضا عند محلات اولاد ابومرين و في حالة تلفه بسبب الاستعمال و العرق يستبدل بخيط من دُبار أو سير بلاستيك رفيع مثل الذي يوسر أو ينسج به البنابِر (جمع بنبر)، يتدلى الى اسفل حتى يصل تحت الركبتين فإذا كانت الحبوبة جالسة تكون بين ساقيها و سهلة التناول، وإذا كان واقفة و إخرجتها كشفت عن ساقيها
زخرفة المخفضة:
يمكن أن تكون المخفضة سادة دون زخرفة أو تزخرف من الامام برسم خطوط متقاطعة تأخذ شكل المعين باستخدام سكين حُميٌت أو سخنت في النار و يصبح لون الخطوط المتقاطعة أسودا لأن الجلد مدبوغ بالقرض.
كما تزخرف احيانا بالكباسين جمع كبسون و هي قطع حديدية دائرية صغيرة فضية اللون تجعلها المحفضة الاغلى ثمنا.
تطورت المخفضة للمطبقة أو الجزلان و لكن ارتبط اسم الجزلان اكثر بمحفظة الرجل الجلدية، و المطبقة تصنع بطريقة مختلفة و بمكنة و بها سسته و من جلد صناعي.
محفظة الرجل الجلدية:
تسمى محفظة الرجل بالجزلان و هي تشبه مفحضة الحبوبات ولكن شكلها راقد و مفتوحة لاعلى و ليس لها قفل و لا تزال مستخدمة وتصنع من أنواع من الجلود مثل جلد التمساح أو الثعبان أو الأصلة أو الورل.
وتسمى المفحضة ايضا:
الزاوية:
في منشور سابق كتبت عن:” الزي و الشُجة (الشُقًة) النوبي”، و ذكرت أن الشُجّة (الشُقّة):”توب من القماش الابيض تلبسه المرأة النوبية من قبيلة الكنوز النوبية، و تثبت المرأة الكنزية طرفي توبها في كتفها الايسر بحلية دبوس مشبك فضي تسمى (الحُلالة) تبدأ بالدبوس متصل بهلال يتدلى منه عدة اشكال منها مثلث وسمك لطول يصل الى نصف متر وينتهي بحلقة كبيرة تتصل في النهاية بمحفظة النقود (الزاوية) المتدلية من عنق السيدة الكنزية كبيرة السن”.
المفحضة و الحبوبة و الاطفال:
كانت الحبوبة إذا فعل الطفل شيئا مستحسن تخرج من محفضتها عملة معدنية و تعطيه كنوع من التحفيز وهي من الذكريات المفرحة من الحبوبات التي تعلق بالذاكرة، أما إذا حدث العكس تعاقب فتخرج المفحضة و( تمحطك) اي تمطرك محطات اي ضربات بسيرها و هو سخن في الجسم.
عرب المفحضة عند قبيلة الكبابيش:
كتبت في منشور سابق بعنوان:”عقل رجل ام ود الطهور قبيلة الكبابيش”، يتم عقل رجل ام ود الطهور الكبابيش عندما يدخل الطفل الخباء ليختن فيتحرك رجُلها و يدفع مبلغاً من المال او عيناً من الابل ليفك اسرها، هذه العادة التي تعقل فيها ام ود الطهور ترتب عليها تغيير: مشيخة الكبابيش من اولاد عقبة إلى النورابب فقد كتب د. عبدالله علي ابراهيم في كتابه:” فرسان كنجرت ” : ” النوراب شيوخ للقبيلة لأكثر من قرنين و نصف و وصلوا للصدارة عن طريق فرع الربيقات الذي انتزع المشيخة من أولاد عقبة وتبدأ قصة باحتفال ختان أولاد رابح باعوضة العقبى شيخ الكبابيش وجرت العادة أن تعقل أم الاولاد المختونين فى ركن من المنزل لا يفك وثاقها إلا بعد إلتزام زوجها بدفع قدر من المال لها، طلبت أم الأولاد أن يدفع لها الكَرْبان وهو احد وجوه القبيلة و هو ربيقي و رفض باعوضة لأن الكربان (قعوته) أي أنه يورد طلبته لبيته فالزوجة أرادت أن يدفع لها الكربان حتى يكون من عرب (المفحضة) _(المحفظة) وهم الذين يوردون طلبتهم لأم الشيخ أو زوجته ولذا كان عرب المفحضة غير عرب القعْوَتة” .
ويستمر المؤلف:” غضب الكربان لهوان شأنه بين باعوضة وزوجته وعزم على إنتزاع الشيخة من رابح (باعوضة) وركب بنفسه وأردف إبن أخته النورابى المُعدم يطلب له الحكم بعد أن تزود بالنعم ليرشو بها الحاكم، سمع رابح باعوضة بهذا التدبير وجمع ما استطاع من مال وركب من ناحية القعب قاصداً بلدة الحاكم (دنقلا) ليفسد خطة الكربان و نزل عند بيكو في رواية أنها عقبية وأخري ربيقية و عزمته و تاخرت في إعداد وجبة الغداء أما عمدا كونها ربيقية و لهذا سبق الكربان رابح الى الحاكم و تم لهم ما أرادوا و لما وصل رابح كان النورابى نُصب شيخاً على الكبابيش”.
واختتم بمثل يقال للشخص الذي خشمه أو فمه خالي من الأسنان:” خشمه ذي المفحضة”.
“ثقالات من موروثنا الشعبي السوداني، (كتاب غير منشور) لسلوى عبد المجيد أحمد المشلي، 2024م.