مقالات

حين تتبدل تفاصيل الحياة الصغيرة؟!

الجميل الفاضل

فاجأتني صيدلانية في نيالا بقولها: “لقد انفصل خط إمدادنا الدوائي من الشرق، ولذلك ينبغي أن توطّن نفسك على استخدام هذا النوع من الحبوب كبديل لما كنتَ تستخدمه في السابق من دواء.”

يبدو أن ما تبدّل في نيالا، وفي الغرب عمومًا، ليس الدواء فحسب.  

أتصوّر أن نظرة الناس إلى الأشياء، في كل تفاصيلها الصغيرة، قد تبدّلت بدرجة كبيرة.  

فأرض السودان الآن أرض يعتريها صدع ضخم وهائل، بلغ من الشأو ما لم يَدَعْ ما كان في هذه البلاد بديهيًا، بديهيًا بعد اليوم.

كل شيء في وطننا هذا بات حاليًا قابلاً للأخذ والرد والنقاش.  

ما كان يبدو في تصورات عموم الناس هنا مسلّماتٍ لا تنتطح حولها عنزان، لم يعد في هذه اللحظة محلَّ وفاقٍ أو اتفاق.

لقد اختلط، إلى حدّ بعيد، حابل الأشياء في الداخل بنابلها في الخارج.

لقد بتنا يوميًا أمام تحدّي إعادة تعريف أبسط الأشياء، إلى حدّ يستدعي إخضاع كل صغيرة وكبيرة لنوع من الفحص والاختبار المستمر، لإعادة ضبط الهويات وتحديد الانتماءات على ضوء إيقاع هذه المتغيرات اليومية المتسارعة.

وبدا كأنّ كلًّا منا يصدر من نقطة توتر فاعلة في لاوعيه، تنشط من داخل عقله الباطن، وتلقي بظلالها على كل ما يرى أو يسمع أو يقرأ.  

نقطة التوتر هذه تُنشئ لدى كلٍّ منا منطقة رد فعله الخاص تجاه ما يعتبره “آخرًا” غريبًا عنه: في الوجه، في اليد، وفي اللسان، مختلفًا في الرؤى والأفكار والمكان.

لتصبح، من ثمّ، بؤرة هذه النقطة منصّة الانطلاق الأولى نحو التعاطي مع جزئيات هذا الواقع المربك وتفاصيله.

وبالتالي، ووفق هذا النهج، بوعي أو دون وعي، يرسم كلٌّ منا مواقفه من الأحداث، بل ومن الأشخاص: مع أو ضد.

إنّ آلة فرز عاصف تنشط الآن بقوة في هذا المنعطف الوجودي من حياة أهل السودان.

ففي مثل هذا الوضع غير الطبيعي الذي يجتاح البلاد بأسرها، من المستحيل أن يظلّ كائنٌ من كان في حالته الطبيعية كإنسان.

ولعله من نافلة القول: إنني لم أدخل نيالا هذه المرة في نزهة عابرة، إذ لست نبيًّا بكل تأكيد، لأبقى دوماً على الحياد، منكرًا لذاتي، متجرّدًا من محيطي، متصنّعًا وقارًا زائفًا، وإنصافًا كذوبًا، ونزاهة مشوّهة.

هنا، أهبط إلى أرض عاديّتي بسلام.

أعيد اكتشاف ذاتي ونواقصي، وأتنازع بيني وبيني في اشتباك داخلي بفعل قوانين الجاذبية.

وللحقيقة، فإن قوانين الطبيعة لن تسمح بالمكوث والبقاء لأكثر من هذا، عند نقطة توتر كهذه…  

هي على مسافة واحدة من كل مكونات هذه الفسيفساء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى