منوعات

ثلاث قصائد للشاعر الإيراني – الأسترالي: علي علي زاده

مشاوير - رجمة : صلاح محمد خير 

تعريف بالشاعر

وُلِد علي علي زاده في عام 1976، في طهران، بعد عامين من الثورة الإيرانية التي حولت البلاد إلى جمهورية إسلامية. هاجر مع أسرته، وهو في سن الثالثة عشر، إلى ولاية كوينزلاند في أستراليا. أكمل دراسته الثانوية في كوينزلاند، والتحق بجامعة غريفيث، حيث درس الفنون الإبداعية. بعد ذلك، حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ديكين، في مدينة ملبورن. 

صدرت أعماله في أكثر من أربعين مجلة وكُتب مختارات. أصدر ستة كتب، منذ حصوله على شهادة الدكتوراه. تضم هذه الكتب: عيون في أزمنة الحرب (2006)، خمسون قصيدة لفريد الدين العطار (2007)، إيران: جَدِي (2010)، رماد في الهواء (2011)، صفقات (2013).

يعمل حالياً محاضراً لمادة الكتابة الإبداعية في جامعة موناش. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جلال الدين الرومي 

هَربُت مِن المدينة حافياً

هربتُ مِن الحرائق، مجرداً، 

إلا مِن حقيبة كُتب قديمة، 

متدليةً على ظهري. 

عَدوْتُ صوب الصحراء.

طاردني الخَيالة، 

مشاعلهم ضرجت المباني.

ظللت أركض لعدة أشهر. 

أخيراً، وفي ليلة مهيبة، توقفت عن الركض.

انْثَنى المغيرون عن مطاردتي. 

كنتُ وحدي، مع القمر وكثبان الرمل.

تحسرتُ على أقدامي؛ 

أقدامي تسلخت.

تَبَينْتٌ آثار أقدامي؛ آثار حمراء قاتمة، 

على صفحة سهل متوهج. 

فكرتُ في قبيلتي، 

تُذْبحُ كالقرابين.

تذكرتُ ابتسامات أهل القبيلة، أمام ألسنة اللهب.

ركعتُ في مِحراب القمر وبكيتُ. 

في الصحراء، تتدفق الدموع كالإكسير. 

تَدَفقت ينابيع من بِرْكة الدموع.

طَهَرْتُ نُدوبي في الماء.

أثْقَل حمل الكتب على كاهلي.

اسْتللتُها واحداً، واحداً، 

وغمرتها في مياه الينبوع. 

كل المعرفة والفن والتاريخ غرقت أمام ناظري.

متحرراً من قبضة الورق، 

ذاب حبر الكلمات في بحيرة الدموع.

حينها، شربت وطوقتني النجاة.

 

الناسك

إلى: إدوارد سعيد 

يَقِفُ خارج الأسوار، 

يحملُ مشعلاً.

يرى رجالات البلاط في أنواره بِدْعةً؛

شيئاً غريباً، يومِضُ مثل نجمٍ قصي،

مؤنسُ، في أحسن الأحوال، 

وفي أغلبها ، زهيد ومعزول. 

يقف هنا، تحت المطر، في خضم الحروب،

لحيته استطالت، ووخطها الشَيْبُ، 

وشعلته تضيء ليل نهار.

قليلا ما يلتفت نبلاء الإمبراطورية ومحظياتها إلى صموده

وكثيرا ما يستهزئون بحماسه.

لكننا، نحن الفلاحون المشردون، نرى في مشعله 

وحياً ومنارة للبقاء، 

آناء هجمات الاجتياح والنهب.

تحلقنا حوله كالفراشات، 

ننشد الدفء على ألسنة ناره. 

ونجزل الشكر للسماء، إذ 

هو باق هنا ينشر الأضواء

على دروب حيواتنا المنسية. 

يا إلهي، كم نحن ضائعون في غيابه!

 

المحرقة 

(1) 

أنت، يا مَوْئِل الأنقاض والرماد،

بِهِمة من شيدت أبراجك القاتمة؟

عبر أُتوُن نيران واتِقاد معارف مَنْ،

تجرأت على التواطؤ؟

أي مهندس معماري ذلك الذي صمم

جدرانك من الطوب والأوتار البشرية المتفحمة؟

مِدَقة من تلك التي سحقت العظام والأرواح

لابتكار ملاط يناسب الحصى؟

أي خالق ذلك الذي جعل من الناس وقوداً

يحْتَرقُ كالمشاعل في الليالي القاتمة؟

أي سُلطة تلك التي صادقت للحرارة 

التي صهرت الطبيعة لتشكل مدنك؟

معالمك الشماء الجهنمية تطاولت، 

على يدِ مَنْ؟ بالوصايا المريعة لمن؟

(2)

خلف جاك دِريدا، 

أنت تردد هذه نهاية التاريخ؛ أنا أحس

بأبخرة صافية تنبعث من الحطام، أنت تقول

هذا ليس حطام بالمرة، هذه وجهة رائعة.

أنت تدون الثورات والحرائق،

تطلق علينا رابحي الصراع “الأبدي.”

لا أحس بشيء أبدي؛

كانت البشرية دائما ضحية وأثراً لقسوة الزمن.

أنت تشير لقصور أُقِيمت على الأنقاض، 

لضوء على التل؛ ينبعث من “نهاية النفق.” 

لا زلتُ اختنق وأحترق في أفران مملكتكم.

أرى أن لا رعب يضاهي هذا الرعب، 

حتى في النبوءة الأولى، 

حينما رأي أمثالكم الخيالة الأربعة. 

أنا أيضاً مُراقِب رأى جيفاً مَنْزوعة 

مِن أنقاض تعرضت للقصف وشهداء مُتفَحمين

 في جِرار رمادٍ تَسْتعرضُ في الشوارع.

شممت رائحة لحم أطفال مطهي، 

تلتهمه نيران حربكم الباردة.

أُدركُ أن الجاذبية الماحِقة

لشميم غطرستكم مُنْتِنة تماماً.

ترددون هذه “نهاية التاريخ”؛ 

تقتنون شارة ذراع بيضاء، 

تخترون بصليبكم وتقدسون قانونكم

بدلاً من تقديس العدالة؛ 

تقولون إن الحضارة تكتمل بتعاليم المسيحية

والتنوير ورأسمالية السوق الحرة.

لكنني، أمعن النظر في جحيم أفعال وحشية، 

لا تزال تسدر في شعاب التاريخ.

أرى جلدي يتقرح ويذوب في أتون لهب لا ينطفئ؛

وأعرف أن خلاياي استحالت رماداً؛

وكلماتي ندوباً لحرائق ماضٍ وحاضر؛

لأن موئلي أنابيب مَدْخنة، 

حيث يتشابك الدخان والأشباح 

فوق أبراج حصون قلاعكم الشاهقة؛

حيث يُطْرح الأذلاء في الفرن؛

وأطفالكم يبتسمون ابتسامة عريضة، 

ويدفئون أياديهم، 

ويبتهجون بفعل “النهاية السعيدة”

لتاريخ بشع وسرمدي.  

 

(3)

أطْعَم جواز سفري ألسنة اللهب، 

وفَرَك يديه فوق النار.

ارتعشت أصابعه المتجمدة، 

أحسستُ بأنفاسي تتباطأ مثل شبح؛ 

مثل ضباب عابر، 

اختفي في وحشة الليل والهواء العَقور.

قُرْب خطوط عرضنا، لسعت برودة الشتاء

جِلْدنا ورجرجت عِظامنا .

“علينا أن نعبر الحدود الآن، 

قبل أن يعاود الحراس نوبتهم،”

كان يتحدثُ، وأنا أرى وجهي يتجعد

في أحضان ألسنة اللهب الخافتة.

سرعان ما تحولت صورتي، صورة والدِيّ،

تاريخ ميلادي، اسمي، جنسيتي إلى رماد؛

حينها ارتعشت، ودفنت يديّ في جيوب سترتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى