
جلست نجلاء أحمد وسط مجموعة من الأمهات والأطفال تحت أشعة الشمس الحارقة، ووصفت لحظة هجوم عناصر قوات “الدعم السريع” على مخيم زمزم للنازحين في دارفور، حيث نهبوا المنازل وأحرقوها تحت وابل القذائف وتحليق الطائرات المسيرة في السماء.
وفقدت نجلاء أثر معظم أفراد عائلتها أثناء فرارها وقالت، “حتى الآن لم يأتوا… لا أمي ولا أبي ولا أخي ولا جدي، أتيت مع أناس غرباء”.
وهي واحدة من ستة ناجين أخبروا “رويترز” عن عمليات حرق وإعدام خلال الهجوم.
واستولت قوات “الدعم السريع”، بعد عامين من صراعها مع الجيش السوداني، على المخيم الضخم في شمال دارفور قبل أسبوع، في هجوم تقول الأمم المتحدة إنه أسفر عن مقتل 300 شخص في الأقل ونزوح 400 ألف.
ولم ترد “الدعم السريع” على طلب للتعليق لكنها نفت الاتهامات بارتكاب انتهاكات، وقالت إن المخيم استخدم قاعدة للقوات الموالية للجيش، ونددت المنظمات الإنسانية بما حدث ووصفته بأنه هجوم استهدف مدنيين يواجهون بالفعل مجاعة.
وتمكنت نجلاء أحمد من إيصال أطفالها إلى بر الأمان في طويلة، وهي بلدة تبعد 60 كيلومتراً عن زمزم وتسيطر عليها جماعة محايدة، وتقول إن هذه هي المرة الثالثة التي اضطرت فيها إلى الفرار من “الدعم السريع” في غضون أشهر.
وأضافت أنها رأت سبعة أشخاص يموتون جوعاً وعطشاً وآخرين توفوا متأثرين بجراحهم في رحلة فرارها الأحدث.
ونشرت “الدعم السريع” مقاطع فيديو لعبدالرحيم دقلو، نائب قائد القوات شبه العسكرية، وهو يعد بتوفير الطعام والمأوى للنازحين في المخيم الذي ظهرت فيه المجاعة في أغسطس (آب) 2024.
العثور على جثث
ذكرت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين، وهي جماعة حقوقية، أن أكثر من 280 ألفاً لجأوا إلى طويلة، إضافة إلى نصف مليون شخص وصلوا إلى هناك منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
وقال رجل طلب عدم ذكر اسمه من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور على بعد 15 كيلومتراً شمال زمزم، التي تحاول قوات “الدعم السريع” انتزاعها من الجيش، إنه عثر على جثث 24 شخصاً قُتلوا في هجوم على مدرسة دينية وتم وضع بعضهم في صفوف.
وأضاف، “بدأوا باقتحام منازل الناس ونهبها… قتلوا بعض الناس… وبعد ذلك فر الناس هاربين في اتجاهات مختلفة، اندلعت حرائق، كان معهم جنود يحرقون المباني لبث مزيد من الرعب”.
وقال رجل آخر، وهو من كبار السن في المخيم، إن قوات “الدعم السريع” قتلت 14 شخصاً من مسافة قريبة في مسجد قرب منزله، وأضاف “الناس الخائفون يذهبون دائماً إلى المسجد بحثاً عن ملجأ، لكنهم ذهبوا إلى كل مسجد وأطلقوا النار عليهم”. ولم تتمكن “رويترز” من التحقق من صحة التقارير على نحو مستقل.
وأظهر مقطع مصور تحققت منه “رويترز”، مسلحين يصرخون في وجه مجموعة من الرجال الأكبر سناً والشبان خارج مسجد، ويستجوبونهم في شأن ما يفترض أنها قاعدة عسكرية.
وأظهرت مقاطع مصورة أخرى، تحققت منها الوكالة أيضاً، أفراداً من “الدعم السريع” يطلقون النار على رجل أعزل بينما كان آخرون ممددين على الأرض. وأظهر مقطع مسلحين يحتفلون وهم يقفون حول مجموعة من الجثث، وقالت قوات “الدعم السريع” إن هذه المقاطع مزيفة.
يأتي الاستيلاء على مخيم زمزم في وقت تسعى قوات “الدعم السريع” إلى تعزيز قبضتها على إقليم دارفور. ومن شأن الانتصار في الفاشر أن يعزز جهودها لتشكيل حكومة موازية لتلك التي يسيطر عليها الجيش، الذي يحقق مكاسب في الأوان الأخيرة بعدما استعاد السيطرة على العاصمة الخرطوم.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” في أبريل 2023 بسبب خطط لدمج القوتين، ويواجه الجيش أيضاً تهماً بارتكاب انتهاكات، وهو ما ينفيه.
وتعود جذور قوات “الدعم السريع” إلى ميليشيات الجنجويد في دارفور، التي أدت هجماتها في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 إلى إنشاء مخيم زمزم ومخيمات نزوح أخرى في أنحاء دارفور.
وقال باحثون من كلية ييل للصحة العامة في تقرير صدر الأربعاء الماضي، إن أكثر من 1.7 كيلومتر مربع من المخيم، منها السوق الرئيسة، احترقت والحرائق مستمرة يومياً منذ أسبوع تقريباً.
ورصد الباحثون نقاط تفتيش حول المخيم، وقال شهود لـ”رويترز” إن بعض الأشخاص منعوا من المغادرة.
وقالت منسقة الطوارئ الميدانية في منظمة “أطباء بلا حدود” ماريون رامستين إن المنظمة استقبلت في بلدة طويلة 154 جريحاً أصغرهم يبلغ من العمر سبعة أشهر وجميعهم تقريباً مصابون بطلقات نارية.
وكانت إمدادات الغذاء والماء والمأوى شحيحة بالفعل قبل وصول الوافدين الجدد، وقالت رامستين، “المحظوظون هم من يجدون شجرة ليجلسوا تحتها”.
وأوضح أحمد محمد، الذي وصل إلى طويلة الأسبوع الماضي، أن مسلحي “الدعم السريع” سلبوه جميع ممتلكاته على الطريق وهو الآن ينام على الأرض الجرداء. وقال، “نحن بحاجة إلى جميع وكل الحاجات اللازمة للإنسان”.